للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا مِنْ حُجَجهم، [ونحن نجيبُ عن ذلك، فنبيِّن أنه لا] يثبتُ (١) حكمٌ على هذين المثالين، فنقول:

أمَّا قضيةُ إنقاذ الملك وحُسْنِه حتى في حقِّ من لم تبلُغه الدَّعوة وأنكر الشَّرائع، فسببه دفعُ الأذى الذي يلحقُ الإنسانَ مِنْ رقَّة الجِنْسيَّة (٢)، وهو طبعٌ يستحيلُ الانفكاكُ عنه.

وذلك لأنَّ الإنسانَ يقدِّر نفسَه في تلك البَلِيَّة، ويقدِّر غيرَه معرضًا عن الإنقاذ، فيستقبحُه منه لمخالفة غرضه، فيعودُ ويقدِّر ذلك الاستقباحَ من المُشْرِف على الهلاك في حقِّ نفسه، فيَدْفَعُ عن نفسه ذلك القُبحَ المتوهَّم.

فإن فُرِض في بهيمةٍ أو شخصٍ لا رِقَّة فيه، فهو بعيدٌ تصوُّره. ولو تُصُوِّرَ فيبقى أمرٌ آخرُ وهو طلبُ الثَّناء على إحسانه.

فإن فُرِض بحيث لا يُعْلَمُ أنه المنقِذ، فيتوقَّعُ أن يُعْلَم؛ فيكونُ ذلك التَّوقُّع باعثًا.

فإن فُرِض في موضعٍ يستحيلُ أنْ يُعْلَم، فيبقى مَيلٌ وترجيحٌ يضاهي نُفْرةَ طبع السَّليم عن الحَبْل (٣)، وذلك أنه رأى هذه الصُّورة مقرونةً بالثَّناء، فيظُنُّ أنَّ الثَّناء مقرونٌ بها بكلِّ حال، كما أنه لما رأى الأذى مقرونًا بصورة الحَبْل، وطبعُه يَنفِرُ عن الأذى، فيَنفِرُ عن المقرون به؛ فالمقرونُ باللذيذ لذيذ،


(١) في الأصول: «فيثبت». والمثبت من (ط)، وما بين المعكوفين منها.
(٢) (ق، ت): «الحية». وأهملت في (د). والمثبت من «المستصفى» وما سيأتي (ص: ١٠٤١).
(٣) أي: الحبل المرقَّش. والسليم هو الملدوغ.