للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المثل الأوَّل: الملِكُ العظيمُ المستولي على الأقاليم، إذا رأى ضعيفًا مُشْرِفًا على الهلاك فإنه يميلُ إلى إنقاذه ويستحسنُه، وإن كان لا يعتقدُ أصلَ الدِّين لينتظر ثوابًا أو مجازاة (١) ــ ولا سيَّما إذا لم يعرفه المسكينُ ولم يَرَه، بأن كان أعمى أصمَّ لا يسمعُ الصَّوت ــ، ولا يوافقُ ذلك غرضه بل ربَّما يتعبُ به.

بل يحكمُ العقلاءُ بحُسْن الصَّبر على السَّيف إذا أُكرِه على كلمة الكفر، أو على إفشاء السِّرِّ ونقض العَهد، وهو على خلاف غرض المكرَه (٢).

وعلى الجملة، فاستحسانُ مكارم الأخلاق وإفاضة النِّعَم لا ينكره إلا من عانَد (٣).

المثل الثَّاني: العاقلُ إذا سَنَحَت له حاجةٌ وأمكنَ قضاؤها بالصِّدق كما أمكنَ بالكذب، بحيث تساويا في حصول الغَرض منهما كلَّ التَّساوي، فإنه يُؤثِرُ الصِّدقَ ويختاره، ويميلُ إليه طبعُه، وما ذاك إلا لحُسْنه، فلولا أنَّ الكذبَ على صفةٍ يجبُ عنده الاحترازُ عنه وإلا لما ترجَّح الصدقُ عنده (٤).

قالوا: وهذا الفرضُ واضحٌ في حقِّ من أنكر الشَّرائع، وفي حقِّ من لم تبلُغه الدَّعوة، حتى لا يُلزِمونا (٥) كونَ التَّرجيح بالتكليف (٦).


(١) ثوابًا من الله، أو مجازاةً من المسكين. وفي «المستصفى»: «لينتظر ثوابا، ولا ينتظرها منه أيضا مجازاة وشكرا».
(٢) (د، ق): «الكفرة». (ت): «الكفر». وكلاهما تحريف. والمثبت من «المستصفى».
(٣) «المستصفى» (١/ ١١٥).
(٤) «نهاية الأقدام»: «رجَّح الصدق عليه».
(٥) «نهاية الأقدام»: «حتى لا يلزم».
(٦) «نهاية الأقدام» (٣٧٣).