للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك إخفاءُ السرِّ وحفظُ العَهد، إنما يتواصى النَّاسُ بهما لما فيهما من المصالح، ولذلك أكثروا الثَّناء عليهما؛ فمن يحتملُ الضرر فيه (١) فإنما يحتملُه لأجل الثَّناء.

[فإن فُرِض حيث لا ثناء، فقد وُجِد مقرونًا بالثناء، فيبقى مَيلُ الوهم إلى المقرون باللذيذ وإن كان خاليًا عنه] (٢).

فإن فُرِض من لا يستولي عليه هذا الوهمُ ولا ينتظر الثَّناء والثَّواب، فهو يَسْتَقْبِحُ السَّعيَ في هلاك نفسه بغير فائدة، ويَسْتَحْمِقُ من يفعل ذلك قطعًا؛ فمن يسلِّم أنَّ مثل ذلك يُؤثِرُ الهلاك على الحياة؟! (٣).

قالوا: وهذا هو الجوابُ عمَّن عَرَضت له حاجةٌ وأمكنَ قضاؤها بالصِّدق والكذب، واستويا عنده، وإيثاره الصِّدق.

على أنَّا نقول: تقديرُ استواء الصِّدق والكذب في المقصود مع قطع النَّظر عن الغير تقديرٌ مستحيل؛ لأنَّ الصِّدق والكذبَ متنافيان، ومن المحال تساوي المتنافيَيْن في جميع الصِّفات، فلأجل ذلك التقدير المستحيل يَسْتَبعِدُ العقلُ إيثارَ الكذب ومنعَ إيثار الصِّدق.

قالوا: ولا يلزمُ من استبعاد مَنْع إيثار الصِّدق على التقدير المستحيل استبعادُه في نفس الأمر، وإنما يلزم لو كان التقديرُ المستلزم واقعًا، وهو ممنوع.


(١) في الأصول: «يحتمل الضرر لله». والمثبت من «المستصفى».
(٢) مستدرك من «المستصفى» وما سيأتي (ص: ١٠٤٤).
(٣) «المستصفى» (١/ ١١٩).