للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: ولئن سلَّمنا أنَّ ذلك التقديرَ ممكن، فغايتُه أن يدلَّ على حُسْن الصِّدق شاهدًا، ولكن لا يلزمُ حُسْنُه غائبًا إلا بطريق قياس الغائب على الشاهد، وهو فاسد؛ لوضوح الفرق المانع من القياس.

والذي يقطعُ دابرَ القياس أنَّ السَّيِّد لو رأى عبيدَه وإماءه يَمُوجُ بعضهم في بعض، ويركبون الظُّلمَ والفواحش، وهو مطَّلعٌ عليهم، قادرٌ على منعهم، لقَبُحَ ذلك منه، والله عزَّ وجلَّ قد فعل ذلك بعباده، بل أعانهم وأمدَّهم، ولم يقبُح منه سبحانه.

ولا يصحُّ قولهم: إنه سبحانه تركهم لينزجروا بأنفسهم ليستحقُّوا الثَّواب؛ لأنه سبحانه قد عَلِمَ أنهم لا ينزجرون، فلْيَمْنَعهم قهرًا (١)، فكم من ممنوعٍ من الفواحش لعلَّةٍ وعجز (٢)، وذلك أحسنُ من تمكينه مع العلم بأنه لا ينزجر (٣).

وبالجملة، فقياسُ أفعال الله على أفعال العباد باطلٌ قطعًا، وهو محضُ التَّشبيه في الأفعال، ولهذا جمعَت المعتزلةُ القدرية بين التَّعطيل في الصِّفات والتَّشبيه في الأفعال، فهم معطِّلةٌ مشبِّهة، لباسُهم مُعَلَّمٌ من الطَّرفين!

كيف وإنَّ إنقاذ الغَرقى الذي استدللتم به حجَّةٌ عليكم، فإنَّ نفسَ الإغراق والإهلاك يحسُن منه سبحانه ولا يقبُح، وهو أقبحُ شيءٍ منَّا، فالإنقاذُ إن كان حسنًا فالإغراقُ يجبُ أن يكون قبيحًا.


(١) (ت، د): «ولم يمنعهم قهرا». (ق): «ولا يمنعهم قهرا». وهو خطأ. والمثبت من «المستصفى». وانظر: «المنخول» (٧٠)، و «إحكام الأحكام» للآمدي (١/ ٨٦).
(٢) «المستصفى»: «بعنَّةٍ وعجز».
(٣) «المستصفى» (١/ ١١٩).