للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للجُناة، وزجرًا للطُّغاة، وحفظًا للحياة، وشفاءً للغَيظ، وتبريدًا لحَرِّ المصيبة اللاحقة لأولياء القتيل.

ويعارضه معنًى آخر: أنه إتلافٌ بإزاء إتلاف، وعدوانٌ في مقابلة عدوان، ولا يحيا الأوَّلُ بقتل الثَّاني؛ ففيه تكثيرُ المفسدة بإعدام النَّفسَيْن، وأمَّا مصلحةُ الرَّدع والزَّجر واستبقاء النَّوع فأمرٌ متوهَّم، وفي القصاصِ استهلاكٌ محقَّق.

فقد تعارض الأمران، وربَّما يعارضه أيضًا معنًى ثالثٌ وراءهما، فيفكِّر العقلُ: أيراعي شرائطَ أُخَر وراء مجرَّد الإنسانية، من العقل والبلوغ، والعلم والجهل، والكمال والنقص، والقرابة والأجنبية؟ فيتحيَّر العقلُ كلَّ التَّحيُّر، فلا بدَّ إذَن من شارعٍ يفصِّلُ هذه الخطَّة، ويعيِّنُ قانونًا (١) يطَّردُ عليه أمرُ الأمَّة، وتستقيمُ عليه مصالحهم.

وظهَر بهذا أنَّ المعاني المستنبطة راجعةٌ إلى مجرَّد استنباط العقل، [ووضع الذِّهن، من غير أن يكون الفعلُ مشتملًا عليها؛ فإنها لو كانت صفاتٍ نفسيةً للفعل] (٢) لَزِمَ من ذلك أن تكون الحركةُ الواحدةُ مشتملةً على صفاتٍ متناقضةٍ وأحوالٍ متنافرة.

وليس معنى قولنا: «إنَّ العقل استنبط منها» أنها كانت موجودةً في الشيء فاستخرجَها العقلُ، بل العقلُ تردَّد بين إضافات الأحوال بعضها إلى بعض، ونِسَبِ الأشخاص والحركات نوعًا إلى نوع، وشخصًا إلى شخص،


(١) مهملة في الأصول. والمثبت مما سيأتي (ص: ١١٠٧).
(٢) مستدركٌ من «نهاية الأقدام» وما سيأتي (ص: ١١١٤، ١١١٦).