للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيطرأ عليه من تلك المعاني ما حكيناه وأحصيناه، وربَّما يبلغُ مبلغًا يَشِذُّ عن الإحصاء.

فعُرِف بذلك أنَّ المعاني لم ترجع إلى الذَّات، بل إلى مجرَّد الخواطر الطَّارئة على العقل (١)، وهي متعارضة (٢).

قالوا: وأيضًا، لو ثبتَ الحُسْن والقُبح العقليَّين (٣) لتعلَّق بهما الإيجابُ والتَّحريمُ شاهدًا وغائبًا على العبد والربِّ، واللازمُ محال، فالملزومُ كذلك.

أمَّا الملازمة؛ فقد كفانا أهلُ الإثبات (٤) تقريرَها بالتزامهم أنه يجبُ على العبد عقلًا بعضُ الأفعال الحسنة، ويحرُم عليه القبيح، ويستحقُّ الثَّوابَ والعقابَ على ذلك، وأنه يجبُ على الربِّ تعالى فعلُ الحسن ورعايةُ الصَّلاح والأصلح، ويحرُم عليه فعلُ القبيح والشرِّ وما لا فائدة فيه كالعبَث، ووضعوا بعقولهم شريعةً أوجبوا بها على الربِّ تعالى، وحرَّموا عليه، وهذا عندهم ثمرةُ المسألة وفائدتها.

وأمَّا انتفاءُ اللازم؛ فإنَّ الوجوبَ والتَّحريمَ بدون الشرع ممتنع؛ إذ لو ثبت بدونه لقامت الحجَّةُ بدون الرُّسل، والله سبحانه إنما أثبتَ الحجَّة بالرُّسل خاصَّة، كما قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥].


(١) في الأصول: «الأصل». وهو خطأ. والمثبت من «نهاية الأقدام».
(٢) «نهاية الأقدام» (٣٨٧ - ٣٨٨).
(٣) كذا في الأصول هنا وفيما سيأتي (ص: ١١٢١).
(٤) إثبات الحسن والقبح العقليين. والمراد المعتزلة منهم، كما سيأتي.