للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن الاهتداء إلى المصلحة الكليَّة الشاملة لنوع الإنسان= وَجَبَ مِنْ حيث الحكمة أن يكونَ بين النَّاس شرعٌ يفرضُه شارعٌ يحمِلُهم على الإيمان بالغيب جملة (١)، ويهديهم إلى مصالح معاشهم ومعادهم تفصيلًا؛ فيكونُ قد جمَع لهم بين حظَّي العلم والعمل (٢) على مقتضى العقل، وحمَلهم على التَّوجُّه إلى الخير المحض، والإعراض عن الشرِّ المحض؛ استبقاءً لنوعِهم، واستدامةً لنظام العالم.

ثمَّ ذاك الشارع (٣) يجبُ أن يكون مميَّزًا من بينِهم بآياتٍ تدلُّ على أنها من عند ربِّه سبحانه، راجحًا عليهم بعقله الرَّزين، ورأيه المتين، وحَدْسِه النَّافذ (٤)، وخلقه الحسن، وسَمْته وهَدْيه، يَلِينُ لهم في القول، ويشاورُهم في الأمر، ويكلِّمهم على قَدر عقولهم، ويكلِّفهم بحسب وُسْعِهم وطاقتهم.

قالوا (٥): وقد أخطأت المعتزلةُ حين ردُّوا الحُسْنَ والقُبحَ إلى الصِّفات الذَّاتية للأفعال، وكان من حقِّهم تقريرُ ذلك في العلم والجهل، إذ الأفعالُ تختلفُ بالأشخاص والأزمان وسائر الإضافات، وليست هي على صفاتٍ نفسيَّةٍ لازمةٍ لها بحيث لا تفارقها البتَّة.


(١) (ق): «جملة جملة». وهو خطأ.
(٢) في الأصول: «العلم والعدل». تحريف. والمثبت من «نهاية الأقدام».
(٣) أي: النبي.
(٤) (د، ق): «وحديثه الناقد». (ت): «وحديثه النافذ». وفي «نهاية الأقدام»: «وحدسه النافذ، وبصره الناقد».
(٥) أي: الفلاسفة.