للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله من الكتب. وهذه حالُ المُحِقِّ؛ أن يؤمنَ بكلِّ ما جاءه من الحقِّ على لسان أيِّ طائفةٍ كانت.

ثمَّ أمره أن يخبرهم بأنه أُمِرَ بالعدل بينهم، وهذا يَعُمُّ العدلَ في الأقوال والأفعال والآراء والمحاكمات، فنَصَبَه ربُّه ومُرْسِلُه للعدل بين الأمم. فهكذا وارثُه ينتصبُ للعدل بين المقالات والآراء والمذاهب، ونسبته (١) منها إلى القَدْر المشتَرك بينها من الحقِّ فهو أولى به وبتقريره والحُكم لمن خاصمَ به.

ثمَّ أمره أن يخبرهم بأنَّ الرَّبَّ المعبود واحد، فما الحاملُ للتفرُّق والاختلاف، وهو ربُّنا وربُّكم، والدِّينُ واحد، ولكلِّ عاملٍ عملُه لا يَعْدُوه إلى غيره؟!

ثمَّ قال: {لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} والحجَّةُ هاهنا هي الخصومة، أي: لا خصومة، ولا وجه لخصومةٍ بيننا وبينكم بعد ما ظهرَ الحقُّ وأسفَر صبحُه، وبانت أعلامُه، وانكشفت الغمَّةُ عنه.

وليس المرادُ نفيَ الاحتجاج من الطَّرفين، كما يظنُّه بعض من لا يدري ما يقول، وأنَّ الدِّين لا احتجاجَ فيه. كيف، والقرآنُ من أوَّله إلى آخره حُجَجٌ وبراهينُ على أهل الباطل قطعيَّةٌ يقينيَّة، وأجوبةٌ لمعارضاتهم وإفسادٌ لأقوالهم بأنواع الحُجَج والبراهين، وإخبارٌ (٢) عن أنبيائه ورسله بإقامة


(١) كذا في (ت، ق). وهي مهملة في (د). ولستُ منها على ثلج.
(٢) في الأصول: «وإخبارا»، بالنصب، وما قبله من المعطوفات. ولعل المثبت هو الصواب.