للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن الحكمة، بل كلُّ أفعاله مقصودةٌ لعواقبها الحميدة، وغاياتها المحبوبة له.

وأخطؤوا في موضعين:

أحدهما: أنهم أعادوا تلك الحكمة إلى المخلوق، ولم يعيدوها إلى الخالق سبحانه، على فاسد أصولهم في نفي قيام الصِّفات به، فنفَوا الحكمةَ من حيث أثبتوها، وجَحَدوها من حيث أقرُّوا بها.

الموضع الثَّاني: أنهم وضعوا لتلك الحكمة شريعةً بعقولهم، وأوجبوا على الرَّبِّ تعالى بها وحرَّموا، وشبَّهوه بخلقه في أفعاله، بحيث ما حَسُنَ منهم حَسُنَ منه، وما قَبُحَ منهم قَبُحَ منه، فلَزِمَتْهم بذلك (١) اللوازمُ الشَّنيعة، وضاق عليهم المجال، وعَجَزوا عن التَّخلُّص عن تلك الإلزامات (٢)، ولو أنهم أثبتوا له حكمةً تليقُ به لا يُشْبِهُ خلقَه فيها، بل نسبتُها إليه كنسبة صفاته إلى ذاته، فكما أنه لا يُشْبِهُ خلقَه في صفاته فكذلك في أفعاله (٣)، ولا يصحُّ الاستدلالُ بقُبح القبيحِ وحُسْن الحسَن منهم على ثبوت ذلك في حقِّه تعالى.

ومِنْ هاهنا استطال عليهم النُّفاة، وصاحوا عليهم مِنْ كلِّ قُطر، وأقاموا عليهم ثائرةَ الشناعة (٤).


(١) (ق): «فلزمته بذلك». وهو خطأ.
(٢) في الأصول: «الالتزامات». والمثبت أولى.
(٣) جواب (لو) محذوف، وتقديره ظاهر.
(٤) (ق): «نايرة الشناعة». وفي «جمهرة اللغة» (٨٠٨): «نارت نائرةٌ، أي ثارت ثائرة».