للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأصابوا ــ أيضًا ــ في قولهم بأنَّ الربَّ تعالى لا يمتنعُ في نفسه الوجوبُ والتَّحريم.

وأخطؤوا في جَعْل ذلك تابعًا لمقتضى عقولهم وآرائهم، بل يجبُ عليه ما أوجبه على نفسه، ويحرُم عليه ما حرَّمه هو على نفسه، فهو الذي كتبَ على نفسه الرَّحمة، وأحقَّ على نفسه نصرَ المؤمنين، وأحقَّ على نفسه ثوابَ المطيعين، وحرَّم على نفسه الظُّلم، كما جعله محرَّمًا بين عباده.

وأصابوا في قولهم: إنه سبحانه لا يحبُّ الشرَّ والكفرَ وأنواع الفساد، بل يكرهها، وأنه يحبُّ الإيمانَ والخير والبرَّ والطَّاعة.

ولكن أخطؤوا في تفسير هذه المحبة والكراهة بمجرَّدِ معانٍ مفهومةٍ من ألفاظٍ خَلَقها في الهواء أو في الشَّجرة، ولم يجعلوها صفاتٍ قائمةً (١) به تعالى، على فاسد أصولهم في التَّعطيل ونفي الصِّفات، فنفَوا المحبةَ والكراهةَ من حيث أثبتوها، وأعادوها إلى مجرَّد الشَّرع، ولم يثبتوا لها حقيقةً قائمةً بذاته؛ فإنَّ شرع الله هو أمرُه ونهيُه، ولم يقُم به عندهم أمرٌ ولا نهي؛ فحقيقةُ قولهم أنه لا شَرْع ولا محبة ولا كراهة، وإن زخرفوا القول (٢) وتحيَّلوا لإثبات ما سَدُّوا على نفوسهم طريقَ إثباته.

وأصابوا ــ أيضًا ــ في قولهم: إنَّ مصلحة المأمور تنشأ من الفعل تارةً، ومن الأمر أخرى، فرُبَّ فعلٍ لم يكن مَنْشَأً لمصلحة المكلَّف، فلما أُمِرَ به صار مَنْشَأً لمصلحته بالأمر.


(١) (ت): «معاني مايهتدي». وهي مهملة في (د، ق). والمثبت أقرب ما يحتمله الرسمُ من الصواب.
(٢) (ت): «قولهم».