للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسوَّوا بين الأفعال التي فاوَتَ الله بينها، وسوَّوا بين [المشيئة] المتعلِّقة بتكوينها وإيجادها والمحبة المتعلِّقة بالرِّضا بها واختيارها، وهذا مما استطال به عليهم خصومُهم، كما استطالوا هم عليهم حيث أخرجوها عن مشيئة الله وإرادته العامَّة، ونفَوا تعلُّق قدرته وخَلْقِه بها.

فاستطال كلٌّ من الفريقين على الآخر بسبب ما معهم من الباطل، وهدى الله أهلَ السُّنَّة الذين هم وَسَطٌ في المقالات والنِّحَل لما اختلف الفريقان فيه من الحقِّ بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.

فالقَدَرِيَّةُ حَجَرُوا على الله وألزموه شريعةً حرَّموا عليه الخروجَ عنها، وخصومُهم من الجبريَّة جوَّزوا عليه كلَّ فعلٍ ممكنٍ يتنزَّه عنه سبحانه، إذ لا يَلِيقُ بغِناهُ وحمدِه (١) وكماله ما نزَّه نفسَه عنه وحَمِدَ نفسَه بأنه لا يفعلُه. فالطَّائفتان متقابلتان غايةَ التقابل.

والقَدَريَّةُ أثبتوا له حكمةً وغايةً مطلوبةً من أفعاله على حسب ما أثبتوه لخلقه، والجبريَّةُ نفَوا حكمتَه اللائقةَ به التي لا يشابهه فيها أحد.

والقَدَرِيَّةُ قالت: إنه لا يريدُ من عباده طاعتَهم وإيمانهم، وإنه لا يشاء (٢) ذلك منهم، والجبريَّةُ قالت: إنه يحبُّ الكفرَ والفسوق والعصيان ويرضاه مِنْ فاعله.

والقَدَرِيَّةُ قالت: إنه يجبُ عليه سبحانه أن يفعل بكلِّ شخصٍ ما هو الأصلحُ له، والجبريَّةُ قالت: إنه يجوزُ أن يعذِّب أولياءه وأهلَ طاعته ومن لم


(١) (ت): «وحكمته».
(٢) في الأصول: «لا يسال». وهو تحريف.