للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعْصِه قطُّ، وينعِّمَ أعداءه ومن كفَر به وأشرَك، ولا فرق عنده بين هذا وهذا (١)!

فلْيَعْجَب العاقلُ من هذا التَّقابل والتَّباعُد الذي يزعُم كلُّ فريقٍ أنَّ قولهم هو محض العقل (٢)، وما خالفه باطلٌ بصريح العقل!

وكذلك القَدَرِيَّةُ قالت: إنه ألقى إلى عباده زمام الاختيار، وفوَّض إليهم المشيئة والإرادة، وإنه لم يخُصَّ أحدًا منهم دون أحدٍ بتوفيقٍ ولا لُطفٍ ولا هداية، بل ساوى بينهم في مقدوره، ولو قَدَرَ أن يهدي أحدًا ولم يهده كان بُخْلًا، وإنه لا يهدي أحدًا ولا يضلُّه إلا بمعنى البيان والإرشاد، وأمَّا خَلْقُ الهدى والضَّلال فهو إليهم ليس إليه.

وقالت الجبريَّة: إنه سبحانه أجبَر عبادَه على أفعالهم. بل قالوا: إنَّ أفعالهم هي نفسُ أفعاله، ولا فِعْلَ لهم في الحقيقة ولا قدرة ولا اختيار ولا مشيئة، وإنما يعذِّبهم على ما فَعَلَه هو لا على ما فعلوه، ونسبةُ أفعالهم إليه كنسبة حركات الأشجار (٣) والمياه والجمادات.

فالقَدَريَّةُ سَلَبوه قدرتَه على أفعال العباد ومشيئته لها، والجبريَّةُ جعلوا أفعالَ العباد نفسَ أفعاله، وأنهم ليسوا فاعلينَ لها في الحقيقة، ولا قادرين عليها. فالقَدَرِيَّةُ سَلَبَته كمالَ مُلكِه، والجبريَّةُ سَلَبَته كمالَ حكمته، والطَّائفتان سَلَبَته كمالَ حمدِه.


(١) (ت): «ولا فرق بينه وبين هذا وهذا».
(٢) (ت): «محض القول».
(٣) (ق): «كحركات الأشجار».