وتكليفه متباينان غايةَ التَّباين، متضادَّان، وأنه يستحيلُ في حكمته التَّسويةُ بينهما، وأن يكونا على وتيرةٍ واحدة، ومعلومٌ أنَّ هذا هو المعقول، وما ذكرتموه خارجٌ عن المعقول.
الوجه التَّاسع: قولكم: «إنَّ الصِّدق والكذبَ على حقيقةٍ ذاتيَّة، وإنَّ الحُسْن والقُبحَ غيرُ داخلَيْن في صفاتهما الذَّاتيَّة، ولا يلزمهما في الوهم بالبديهة ولا في الوجود ضرورةً»(١).
جوابه: أنكم إن أردتم أنَّ الحُسْن والقُبحَ لا يدخُل في مسمَّى الصِّدق والكذب، فمُسَلَّم، ولكن لا يفيدكُم شيئًا؛ فإنَّ غايتَه إنما يدلُّ على تغايُر المفهومَيْن، فكان ماذا؟!
وإن أردتم أنَّ ذاتَ الصِّدق والكذب لا تقتضي الحُسْن والقُبْح ولا تستلزمهما، فهل هذا إلا مجرَّدُ المذهب ونفسُ الدَّعوى؟! وهو مُصَادَرةٌ على المطلوب.
وخصومكم يقولون: إنَّ معنى كونهما ذاتيَّين للصِّدق والكذب: أنَّ ذاتَ الصِّدق والكذب تقتضي الحُسْن والقُبْح، وليس مرادهم أنَّ الحُسْن والقُبْح صفةٌ داخلةٌ في مسمَّى الصِّدق والكذب، وأنتم لم تُبْطِلوا عليهم هذا.
الوجه العاشر: قولكم: «ولا يَلْزمهما في الوهم بالبديهة ولا في الوجود» دعوى مجرَّدة، كيف وقد عُلِمَ بطلانها بالبرهان والضرورة؟!
الوجه الحادي عشر: قولكم: «إنَّ من الأخبار التي هي صادقةٌ ما يلامُ عليه؛ مثل الدَّلالة على من هَرَبَ من ظالم، ومن الأخبار التي هي كاذبةٌ ما