للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يثابُ عليها؛ مثل إنكار الدلالة عليه، فلم يدخل كونُ الكذب قبيحًا في حدِّ الكذب، ولا لَزِمه في الوهم ولا في الوجود، ولا يجوز أن يُعَدَّ من الصِّفات الذَّاتية التي تَلْزَمُ النَّفسَ وجودًا وعَدمًا» (١).

جوابه مِنْ وجوه:

أحدها: أنَّا لا نُسَلِّمُ أنَّ الصِّدق يقبُح في حال، ولا أنَّ الكذبَ يحسُن في حالٍ أبدًا، ولا تنقلبُ ذاتُه، وإنما يحسُن اللَّومُ على الخبر الصَّادق من حيثُ (٢) لم يُعَرِّض المُخْبِرُ ولم يُوَرِّ بما يقتضي سلامةَ النَّبيِّ أو الوليِّ.

الوجه الثَّاني: أنه أخبَر بما لا يجوز له الإخبارُ به؛ لاستلزامه مفسدةً راجحة، ولا يقتضي هذا كونَ الصِّدق قبيحًا، بل الإخبار بالصِّدق هو القبيح، وفرقٌ بين النسبة المطابِقة التي هي صدقٌ وبين الإعلام بها، فالقُبح إنما نشَأ من الإعلام لا من النسبة الصَّادقة، والإعلامُ غيرُ ذاتيٍّ للخبر، ولا داخلٍ في حدِّه، إذ الخبرُ غيرُ الإخبار، ولا يَلْزَمُ من كون الإخبار قبيحًا أن يكون الخبرُ قبيحًا، وهذه الدَّقيقةُ غَفَل عنها الطَّائفتان كلاهما.

الوجه الثالث: أنَّ قُبحَ الصِّدق وحُسْنَ الكذب المذكورَيْن في بعض المواضع لمعارضة مصلحةٍ أو مفسدةٍ راجحة= لا يقتضي عدمَ اتصافِ ذات كلٍّ منهما بحُكمه (٣) عقلًا؛ فإنَّ العِلَل العقلية والأوصافَ الذَّاتية المقتضية لأحكامها قد تتخلَّف عنها لِفَوَات شرطٍ أو قيام مانع، ولا يوجبُ ذلك سلبَ


(١) انظر: (ص: ٩٧٣).
(٢) في الأصول: «هو حيث». والمثبت من (ط).
(٣) (ق): «بحكمة».