للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفِطر، فكيف يُنْسَبُ إلى الربِّ ما قبحُه مستقرٌّ في فطركم وعقولكم؟!

وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: ١١٥ - ١١٦]؛ نزَّه نفسه سبحانه عن هذا الحُسْبان (١) الباطل المضادِّ لمُوجَب أسمائه وصفاته، وأنه لا يليقُ بجلاله نسبتُه إليه.

ونظائرُ هذا في القرآن كثيرة.

* وأيضًا؛ فإنه سبحانه يحبُّ من عباده أمورًا يتوقَّفُ حصولُها منهم على حصول الأسباب المقتضية لها، ولا تحصُل إلا في دار الابتلاء والامتحان؛ فإنه سبحانه يحبُّ الصابرين، ويحبُّ الشاكرين، ويحبُّ الذين يقاتلون في سبيله صفًّا، ويحبُّ التَّوابين، ويحبُّ المتطهِّرين، ولا ريبَ أنَّ حصول هذه المحبوبات بدون أسبابها ممتنع، كامتناع حصول الملزوم بدون لازمه، والله سبحانه أفرحُ بتوبة عبده حين يتوبُ إليه من الفاقد لراحلته التي عليها طعامُه وشرابُه في أرضٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكةٍ إذا وجدَها.

كما ثبت في "الصحيح" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لَلَّهُ أشدُّ فرحًا بتوبة عبده المؤمن من رجلٍ في أرضٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكةٍ معه راحلتُه، عليها طعامُه وشرابُه، فنام، فاستيقَظ وقد ذهبَت، فطلبها حتى أدركَه العطش، ثم قال: أرجعُ إلى المكان الذي كنتُ فيه، فأنامُ حتى أموت، فوضع رأسَه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلتُه، عليها زادُه وطعامُه وشرابُه، فالله


(١) بكسر الحاء في (ق). والوجهان جائزان. وفي (ح، ن): "الحساب". وفي هامش (ح) إشارة إلى أن في نسخة: "الحسبان".