عدلٌ، وبمناظرة إياسٍ للقَدَرِيَّة= فهذه النُّصوصُ وأمثالها كلُّها حقٌّ يجبُ القولُ بمُوجَبها، ولا تُحَرَّفُ معانيها، والكلُّ من عند الله، ولكن أيُّ دليلٍ فيها يدلُّ على أنه تعالى يجوزُ عليه أن يعذِّبَ أهلَ طاعته، ويُنَعِّمَ أهلَ معصيته، وأنه يعذِّبُ بغير جُرْم، ويَحْرِمُ المحسِنَ جزاءَ عمله، ونحو ذلك؟! بل كلُّها متفقةٌ متطابقةٌ دالَّةٌ على كمال القدرة، وكمال العدل والحكمة.
فالنُّصوصُ التي ذكرناها تقتضي كمالَ عدله وحكمته وغِناه، ووضعَه العقوبةَ والثَّوابَ مواضعَهما وأنه لم يَعْدِلُ بهما عن سَنَنهما.
والنُّصوصُ التي ذكرتموها تقتضي كمالَ قدرته وانفرادَه بالرُّبوبيَّة والحُكم، وأنه ليس فوقه آمرٌ ولا ناهٍ يتعقَّبُ أفعالَه بسؤال، وأنه لو عذَّبَ أهلَ سماواته وأرضه لكان ذلك تعذيبًا لحقِّه عليهم، وكانوا إذ ذاك مستحِقِّين للعذاب؛ لأنَّ أعمالهم لا تَفِي بنجاتهم، كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لن يُنْجِي أحدًا منكم عملُه» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:«ولا أنا، إلا أن يتغمَّدني الله برحمةٍ منه وفضل»(١).
فرحمتُه لهم ليست في مقابلة أعمالهم، ولا هي ثمنًا لها، فإنها خيرٌ منها، كما قال في الحديث نفسه:«ولو رَحِمَهم لكانت رحمتُه لهم خيرًا من أعمالهم»؛ أي: فجَمَع بين الأمرين في الحديث: أنه لو عذَّبهم لعذَّبهم باستحقاقهم، فلم يكن ظالمًا لهم، وأنه لو رَحِمَهم لكان ذلك مجرَّدَ فضله وكرمه، لا بأعمالهم، إذ رحمتُه خيرٌ من أعمالهم.
فصلواتُ الله وسلامُه على من خَرَجَ هذا الكلامُ أوَّلًا من شفتَيه، فإنه