أعرفُ الخلق بالله وبحقِّه، وأعلمُهم به وبعدله وفضله وحكمته، وما يستحقُّه على عباده.
وطاعاتُ العباد كلُّها لا تكونُ مقابلةً لنِعَم الله عليهم، ولا مساويةً لها، بل ولا للقليل منها، فكيف يستحِقُّون بها على الله النَّجاة؟!
وطاعةُ المطيع لا نسبة لها إلى نعمةٍ من نِعَم الله عليه؛ فتبقى سائرُ النِّعم تتقاضاه شكرًا، والعبدُ لا يقومُ بمقدوره الذي يجبُ لله عليه.
فجميعُ عباده تحت عفوه ورحمته وفضله، فما نجا منهم أحدٌ إلا بعفوه ومغفرته، ولا فاز بالجنَّة إلا بفضله ورحمته.
وإذا كانت هذه حالَ العباد فلو عذَّبهم لعذَّبهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم، لا لكونه قادرًا عليهم وهم مُلْكُه، بل لاستحقاقهم، ولو رَحِمَهم لكان ذلك بفضله لا بأعمالهم.
وأمَّا قوله:{فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ}؛ فليس المرادُ به أنك قادرٌ عليهم مالِكٌ لهم. وأيُّ مدحٍ في هذا؟! ولو قلتَ لشخص: إن عذَّبتَ فلانًا فإنك قادرٌ على ذلك. أيُّ مدحٍ يكونُ في ذلك؟!
بل في ضِمن ذلك الإخبارُ بغاية العدل، وأنه تعالى إن عذَّبهم فإنهم عبادُه الذين أنعمَ عليهم بإيجادهم وخلقِهم ورَزقهم وإحسانه إليهم، لا بوسيلةٍ منهم، ولا في مقابلة بذلٍ بَذَلُوه، بل ابتدأهم بنِعَمه وفضله، فإذا عذَّبهم بعد ذلك وهم عبيدُه لم يعذِّبهم إلا بجُرْمهم واستحقاقهم وظلمِهم، فإنَّ من أنعَم عليهم ابتداءً بجلائل النِّعَم كيف يعذِّبهم بغير استحقاقِ أعظم النِّقَم؟!