للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والغاياتُ المحمودةُ متوقِّفةً على خلقهم وإضلالهم توقُّفَ الملزوم على لازمه.

وهذا فصلٌ معترِضٌ لم يكن مِن غرَضنا، وإن كان أهمَّ ممَّا سُقْنا الكلامَ لأجله.

ونكتةُ المسألة: الفرقُ بين ما هو فعلٌ له تستلزمُ محبتُه وقوعَه منه، وبين ما هو مفعولٌ له لا تستلزمُ محبتُه له وقوعَه من عبده.

وإذا عُرِفَ هذا، فالظلمُ والكفرُ والفسوقُ والعصيانُ وأنواعُ الشُّرور واقعةٌ في مفعولاته المنفصلة التي لا يتَّصفُ بها، دون أفعاله القائمة به.

ومن انكشفَ له هذا المقامُ فَهِمَ معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «والشرُّ ليس إليك» (١).

فهذا الفرقُ العظيمُ يزيلُ أكثر الشُّبه التي حارت لها عقولُ كثيرٍ من النَّاس في هذا الباب، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقِّ بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.

فما في مخلوقاته ومفعولاته تعالى من الظُّلم والشرِّ فهو بالنسبة إلى فاعله المكلَّف الذي قامَ به الفعل، كما أنه بالنسبة إليه يكون زنًا وسرقةً وعدوانًا وأكلًا وشربًا ونكاحًا، فهو الزاني السارقُ الآكلُ الناكِح، والله خالقُ كلِّ فاعلٍ وفعلِه.

وليست نسبةُ هذه الأفعال إلى خالقها كنسبتها إلى فاعلها الذي قامت به، كما أن نسبةَ صفات المخلوقين إليه ــ كطُوله (٢) وقِصَره، وحُسْنه وقُبحه،


(١) أخرجه مسلم (٧٧١) من حديث عليٍّ في دعائه - صلى الله عليه وسلم - في قيام الليل.
(٢) أي: المخلوق.