للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أكثر خلقه ذلك، ويليقُ بجلاله الكبرياءُ والعظمة، ويقبُح من خلقه تعاطيهما، كما روى عنه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «الكبرياءُ إزاري، والعظمةُ ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذَّبته» (١)، وكما يحسُن منه إماتةُ خلقه وابتلاؤهم وامتحانهم بأنواع المِحَن، ويقبُح ذلك من خلقه.

وهذا أعظمُ من أن تُذْكَر أمثلتُه، فليس بين الله وبين خلقه جامعٌ يوجبُ أن يحسُن منه ما حسُن منهم، ويقبُح منه ما قبُح منهم، وإنما تتوجَّه تلك الإلزاماتُ إلى من قاسَ أفعالَ الله بأفعال عباده، وأمَّا من أثبتَ له حكمةً تختصُّ به (٢) لا تُشْبِه ما للمخلوقين من الحكمة فهو عن تلك الإلزامات بمَعْزِل، ومنزلُه منها أبعدُ منزِل.

ونكتةُ الفَرق: أنَّ بطلانَ الصَّلاح والأصلح لا يستلزمُ بطلانَ الحكمة والتعليل، والله الموفِّق.

الوجه الرابعُ والستون: قولكم: «أنتم فتحتُم بهذه المسألة طريقًا للاستغناء عن النبوَّات، وسلَّطتم عليكم بها الفلاسفةَ والبراهمةَ والصابئةَ وكلَّ منكرٍ للنبوَّات، فإنَّ هذه المسألة بابٌ بيننا وبينهم، فإنكم إذا زعمتم أنَّ في العقل حاكمًا يحسِّنُ ويقبِّح، ويوجبُ ويحرِّم، ويتقاضى الثوابَ والعقاب، لم تكن الحاجةُ إلى البعثة ضروريَّة؛ لإمكان الاستغناء عنها بهذا الحاكم (٣) .... » إلى آخره (٤).


(١) أخرجه مسلم (٢٦٢٠) بنحوه من حديث أبي سعيد وأبي هريرة.
(٢) (ق): «يختص بها».
(٣) في الأصول: «فهذا الحاكم».
(٤) انظر ما تقدم (ص: ٩٩٩).