للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال المثبتون: هذا كلامٌ هائل، وهو عند التحقيق باطل، لو أنصفَ مُورِدُه لعَلِمَ أنَّا وهو كما قال الأول: «رمتني بدائها وانسلَّت» (١).

وقد بيَّنا أنَّ النفاة سدُّوا على أنفسهم طريقَ إثبات النبوَّة بإنكارهم هذه المسألة، وقالوا: إنه يحسُن من الله كلُّ شيء، حتَّى إظهارُ المعجزة على يد الكاذب، ولا فرق بالنسبة إليه (٢) بين إظهارها على يد الصادق ويد الكاذب، وليس في العقل ما يدلُّ على استحالة هذا وجواز هذا، وتوقُّفُ معرفته على السمع، لا سيَّما إذا انضمَّ إلى ذلك إنكارُ كون العبد فاعلًا مختارًا (٣) البتَّة، فإنَّ ذلك يسُدُّ الباب جملة؛ لأنَّ متعلَّق الأمر والنهي إنما هو أفعالُ العباد الاختياريَّة، فمَن لا فعلَ له ولا اختيارَ أصلًا فكيف يُعْقَلُ أن يكون مأمورًا منهيًّا؟! وقد تقدَّم حديثُ الإفحام وعَجْزُكم عن الجواب عنه.

قالوا: وأمَّا نحن؛ فإنَّا سهَّلنا بذلك الطريقَ إلى إثبات النبوَّات، بل لا يمكنُ إثباتُها إلا بالاعتراف بهذه المسألة؛ فإنه إذا ثبتَ أنَّ من الأفعال حسنًا ومنها قبيحًا، وأنَّ إظهارَ المعجزة على يد الكاذب قبيح، وأنَّ الله يتعالى ويتقدَّس عن فعل القبائح= علمنا بذلك صحةَ نبوَّة من أظهرَ الله على يديه الآيات والمعجزات. وأمَّا أنتم فإنكم لا يمكنُكم العلمُ بذلك.

قالوا: وكذلك نحن قلنا: إنَّ العبدَ فاعلٌ مختارٌ لفعله، وأوامرُ الشَّرع ونواهيه متوجِّهةٌ إلى مجرَّد فعله الاختياريِّ القائم به، وهو متعلَّقُ الثواب


(١) انظر: «جمهرة الأمثال» (١/ ٤٧٥)، و «مجمع الأمثال» (١/ ٢٨٦).
(٢) (ق): «إليها». (ت): «إلى». وهو تحريف.
(٣) (د، ق): «فاعلًا ولا مختارًا». (ت): « ... ذلك المكان كون العبد لا فاعلًا ولا مختارًا البتة». والمثبت من (ط)، وهو مستقيم.