للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا قلنا (١): إنَّ من أنكر الحُسْنَ والقُبحَ العقليَّين لزمه إنكارُ الحُسْن والقُبح الشَّرعيين (٢)، وإن زعمَ أنه مُقِرٌّ به؛ فإنَّ إخبارَ الشَّرع عن الفعل بأنه حسنٌ أو قبيحٌ مطابقٌ لكونه في نفسه كذلك، فإذا كان في نفسه ليس بحسنٍ ولا قبيحٍ فإنَّ هذا الخبرَ لا مخبَر له إلا مجرَّدُ تعلُّق: «افعل» أو: «لا تفعل» به، وهذا التعلُّق (٣) عندكم جائزٌ أن يكون بخلاف ما هو به، وأن يتعلَّق الطلبُ بالمنهيِّ عنه، والنهيُ بالمأمور به، والتعلُّقُ لم يجعله حسنًا ولا قبيحًا، بل غايته أن جَعل الفعلَ مأمورًا منهيًّا، فعاد الحُسْنُ والقبحُ إلى مجرَّد كونه مأمورًا منهيًّا.

ولا فرق عندكم بالنظر إلى ذات الفعل بين النَّوعين، بل ما كان مأمورًا يجوزُ أن يقعَ منهيًّا، وبالعكس، فلم يكتسب الأمرُ والنهيُ صفةَ حُسْنٍ ولا قُبحٍ أصلًا، فلا حُسْنَ ولا قُبحَ إذًا عقلًا ولا شرعًا، وإنما هو تعلُّق الطَّلب بالفعل والتَّرك.

وهذا مما لا خلاصَ منه إلا بالقول بأنَّ للأفعال خواصَّ وصفاتٍ عليها في أنفسها اقتضت أن يُؤمَر بحَسَنِها، ويُنهى عن سيِّئها، ويُخْبَر عن حَسَنها بما هو عليه، ويُخْبَر عن قبيحها بما تكونُ عليه (٤)، فيكونُ للخبر مخبَرٌ ثابتٌ في نفسه، وللأمر (٥) والنهي متعلَّقٌ ثابتٌ في نفسه.


(١) (ق، د): «ما قلنا».
(٢) (ق): «الشرعية».
(٣) (ت): «التعليق».
(٤) في الأصول: «ويخبر غيره بقبحها». والمثبت أشبه.
(٥) في الأصول: «والأمر». وهو تحريف.