للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثالث: القُوى الطَّبيعيَّة (١).

وجعلوا جنسَ الخوارق جنسًا واحدًا، وأدخلوا ما للسَّحرة وأرباب الرِّياضة والكهَنة وغيرهم مع ما للأنبياء والرُّسل في ذلك، وجعَلوا سببَ ذلك كلِّه واحدًا وإن اختلفت بالغايات، والنَّبيُّ قصدُه الخيرُ والسَّاحرُ قصدُه الشرُّ!

وهذا المذهبُ مِنْ أفسد مذاهب العالم وأخبثها، وهو مبنيٌّ على إنكار الفاعل المختار، وأنه تعالى لا يعلمُ الجزئيَّات، ولا يَقْدِرُ على تغيير العالَم، ولا يخلُق شيئًا بمشيئته وقدرته، وعلى إنكار الجنِّ والملائكة ومَعَادِ الأجسام.

وبالجملة؛ فهو مبنيٌّ على الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وليس هذا موضعَ الرَّدِّ على هؤلاء، وكَشْف باطلهم وفضائحهم، إذ المقصودُ ذِكرُ طُرق النَّاس في المقصود بالشَّرائع والعبادات.

وهذه الفِرقةُ غاية ما عندها في العبادات والأخلاق والحكمة العلميَّة أنهم رأوا النَّفس لها شهوةٌ وغضبٌ بقوَّتها العمليَّة، ولها تصوُّرٌ وعِلمٌ بقوَّتها العلميَّة، فقالوا: كمالُ الشَّهوة في العفَّة، وكمالُ الغضب في الحِلم (٢) والشَّجاعة، وكمالُ القوَّة النَّظريَّة بالعلم، والتَّوسُّطُ في جميع ذلك بين طرفي الإفراط والتَّفريط هو العدل.

هذا غاية ما عند القوم من المقصود بالعبادات والشَّرائع، وهو عندهم


(١) انظر: «الإشارات» لابن سينا (٤/ ٩٠٠)، و «الصفدية» (١/ ١٦٥).
(٢) (ق): «الحكم». وهو تحريف.