للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غاية كمال النَّفس، وهو استكمالُ قوَّتيها العِلميَّة والعمليَّة، فاستكمالُ قوَّتها العِلميَّة عندهم بانطباع صُوَر المعلومات في النَّفس، واستكمالُ قوَّتها العمليَّة بالعدل.

وهذا غايةُ (١) ما عندهم من العلم والعمل، وليس فيه بيانُ خاصِّيَّة النَّفس التي لا كمال لها بدونه البتَّة، وهو الذي خُلِقت له، وأُريد منها، بل ما عرفه القوم؛ لأنه لم يكن عندهم مِن معرفة متعلَّقه إلا نزرٌ يسيرٌ غيرُ مُجْدٍ ولا محصِّلٍ للمقصود، وذلك معرفةُ الله بأسمائه وصفاته، ومعرفةُ ما ينبغي لجلاله، وما يتعالى ويتقدَّسُ عنه، ومعرفةُ أمره ودينه، والتَّمييزُ بين مواقع رضاه وسخطه، واستفراغُ الوُسْع في التقرُّب إليه، وامتلاءُ القلب بمحبته، بحيث يكون سلطانُ حبِّه قاهرًا لكلِّ محبة.

ولا سعادة للعبد في دنياه ولا في أخراه إلا بذلك، ولا كمال للرُّوح بدون ذلك البتَّة، وهذا هو الذي خُلِق له وأُريد منه، بل ولأجله خُلِقت السَّمواتُ والأرض، واتُّخِذَت الجنَّةُ والنَّار، كما سيأتي تقريرُه من أكثر من مئة وجهٍ إن شاء الله (٢)، ومعلومٌ أنه ليس عند القوم من هذا خبَر، بل هم في وادٍ وأهلُ الشأن في وادٍ.

وهذا هو الدِّينُ الذي أجمعت الأنبياءُ (٣) عليه من أوَّلهم إلى خاتمتهم، كلُّهم جاء به وأخبَر عن الله أنه دينُه الذي رَضِيَه لعباده وشَرَعَه لهم وأمرهم به، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ


(١) (د، ق): «وهذا مع أنه غاية».
(٢) لم يقع ذلك في باقي الكتاب. وراجع ما كتبناه في المقدمة.
(٣) (ت): «اجتمعت الأنبياء».