فلنرجِع إلى ما كنَّا فيه من بيان طُرق النَّاس في مقاصد العبادات.
الطَّريق الثَّاني: طريقُ من يقولُ من المعتزلة ومن تابعهم: إنَّ الله سبحانه عرَّضهم بها للثَّواب، واستأجَرهم بتلك الأعمال للجزاء، فعاوَضهم عليها معاوَضةً.
قالوا: والإنعامُ منه في الآخرة بدون الأعمال غيرُ حسَن؛ لما فيه من تكدير منَّة العطاء ابتداءً، ولما فيه من الإخلال بالمدح والثَّناء والتَّعظيم الذي لا يُسْتَحقُّ إلا بالتكليف.
ومنهم من يقول: إنَّ الواجبات الشَّرعيَّة لُطْفٌ في الواجبات العقليَّة.
ومنهم من يقول: إنَّ الغاية المقصودة التي يحصُل بها الثَّوابُ هي العمل، والعلمُ وسيلةٌ إليه. حتَّى ربَّما قالوا ذلك في معرفة الله تعالى، وأنها إنما وجبت لأنها لُطْفٌ في أداء الواجبات العمليَّة.
وهذه الأقوالُ تَصَوُّرُ العاقلِ اللبيب لها حقَّ التَّصوُّر كافٍ في جزمه ببطلانها، رافعٌ عنه مؤنةَ الرَّدِّ عليها، والوجوه الدَّالَّةُ على بطلانها أكثرُ من أن تُذْكَرَ هاهنا.
الطَّريق الثَّالث: طريقُ الجَبْريَّة ومن وافقهم؛ أنَّ الله تعالى سبحانه امتحنَ عبادَه بذلك، وكلَّفهم، لا لحكمةٍ ولا لغاية مطلوبةٍ له ولا بسببٍ (١) من الأسباب، فلا لامُ تعليلٍ ولا باءُ سببٍ، إن هو إلا محضُ المشيئة، وصِرْفُ الإرادة. كما قالوا في الخَلْق سواء.