للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الخامس عشر: أنَّ الأجسامَ لا تنفعلُ في غيرها إلا بواسطة المُماسَّة، وهذه الكواكبُ لا مُماسَّة لها بأعضائنا وأبداننا وأرواحنا، فيمتنعُ كونُها فاعلةً فينا (١).

أقصى ما في الباب أن يقال: إنها وإن لم تكن مُماسَّةً لأعضائنا إلا أنَّ شُعاعها يَصِلُ إلى أجسامنا.

فيقال: لا ريب أن تأثيرَ الشُّعاع إنما يكونُ بالتَّسخين عند المُسامَتة (٢) أو بالتَّبريد عند الانحراف عن المُسامَتة؛ فهذا ــ بعد تصحيحه ــ يقتضي أن لا يكون لهذه الكواكب تأثيرٌ في هذا العالَم إلا على سبيل التَّسخين والتَّبريد.

فأمَّا أن تُعْطِي العلومَ والأخلاق، والمحبة والبغضاء، والموالاة والمعاداة، والعِفَّة والحريَّة (٣)، والنَّذالة والخُبْث، والمكر والخديعة، فذلك خارجٌ عن معقول العقلاء، وهو مِنْ حماقات الأحكاميِّين وجهالاتهم.

فإن قيل: التأثيرُ بالتَّسخين والتَّبريد يوجبُ اختلافَ أمزجة الأبدان، واختلافُ أمزجة الأبدان يوجبُ اختلافَ أفعال النفس.

قيل: فنحن نرى التَّسخينَ يقتضي حرارةً وحِدَّةً في المزاج، يفعلُ بها هذا


(١) انظر: «رسائل الشريف المرتضى» (٢/ ٣٠٣)، و «شرح نهج البلاغة» (٦/ ٢٠٠).
(٢) الموازاة والمقابلة. «التاج» (سمت). وفي (ق): «المشامتة» بالمعجمة. وفي (ت): «المماسة». في الموضعين.
(٣) مهملة في (د، ق). والحرية تطلق عرفًا على العفَّة، فيقال: غلام حر، أي: عفيف. انظر: «زاد المعاد» (٣/ ٥٨٤)، و «بدائع الفوائد» (١٣٧٣)، و «إعلام الموقعين» (٤/ ٢٢٨). وربما كانت تحريفًا عن: «والجود»، والمصنف يذكرهما كثيرًا في خصال الكمال.