للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوَّة نجمِه ونجمِ ابن الأشتَر، وقال: والله إني لأعلمُ أنه ليس بشيء، إلا أني كنتُ أنا وهو صغيران (١) وقعَت بيني وبينه خصومةٌ بسبب حَمَام كنَّا نلعبُ به، فضربني إلى الأرض، وقعَد على صدري، وقال: والله إني قاتلُك، ولا يقتلُك أحدٌ غيري إن شاء الله، وأنا من استثنائه بالمشيئة خائف! فذهبَ به منجِّمه إلى ما قرَّره المنجِّمون له مِن قوَّة نجمِه وأنَّ هذا وهمٌ منه، وحكمُ النجوم يقضي على وهمه، فحقَّق الله سبحانه ذلك الوهم، وأبطلَ حكمَ الطالع والنجم!

ومِن ذلك: اتفاقُهم عندما تمَّ بناءُ بغداد سنة ستٍّ وأربعين ومائة أنَّ طالعَها يقضي بأنه لا يموتُ فيها خليفة (٢)، وشاع ذلك، حتى هنَّأ الشعراءُ به المنصور (٣)، حتى قال بعض شعرائه:

يَهْنيكَ منها بلدةً يُقضى لنا ... أنَّ المماتَ بها عليك حرامُ

لمَّا قَضَت أحكامُ طالع وقتِها ... أن لا يُرى فيها يموتُ إمامُ

وأكَّد هذا الهذيانَ في نفوس العوامِّ موتُ المنصور بطريق مكة، ثم المهدي بماسَبَذان (٤)، ثم الهادي بعِيسَاباذ (٥)، ثم الرَّشيد بطُوس (٦)، فلمَّا


(١) كذا في الأصول. والصواب: «صغيرين».
(٢) انظر: «تاريخ بغداد» (١/ ٦٨)، و «البداية والنهاية» (١٢/ ٣٩١)، و «معجم البلدان» (١/ ٤٦٠).
(٣) انظر: «تاريخ بغداد» (١/ ٦٨)، و «ثمار القلوب» (٧٤١).
(٤) موضع في بلاد فارس. «معجم البلدان» (٥/ ٤١).
(٥) محلةٌ بشرقي بغداد، منسوبة لعيسى بن المهدي، ومعنى «باذ» بالفارسية: عمارة. «معجم البلدان» (٤/ ١٧٢).
(٦) من مدن نيسابور بإقليم خراسان، وتقع أطلالها اليوم على بضعة أميال من شمال مدينة مشهد بإيران. انظر: «معجم البلدان» (٤/ ٤٩)، و «بلدان الخلافة الشرقية» (٤٣٠)، و «دائرة المعارف الإسلامية» (١٥/ ٣٥٨). وفي (ص): «بطرسوس»، وهو خطأ، هذه من ثغور الشام، وهي اليوم ضمن حدود تركيا، وبها دفن المأمون. «معجم البلدان» (٤/ ٢٨).