للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما مَلَكَها أسدُ الدِّين شِيرَكُوه بن شاذي، ثمَّ ابنُ أخيه الملك الناصرُ صلاحُ الدين يوسفُ بن أيوب، ومع ذلك المصريُّون قائمون بدعوة العاضد عبد الله بن يوسف= توهَّم الجهَّالُ أنَّ ما قال المنجِّمون من قبلُ حقًّا؛ لتبدُّل اللسان وحالُ الدعوة مُسْتَبقى.

فلمَّا ردَّ صلاحُ الدين الدعوةَ إلى بني العباس، انكشفَ الأمر، وزال الالتباس، وظهر كذبُ المنجِّمين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

وكانت المدةُ بين وضع الأساس وانقراض دولة الملاحدة منها نحوًا من مئةٍ وثلاثةٍ وتسعين عامًا.

فنقَض انقطاعُ دولتهم على المنجِّمين أحكامَهم، وخَرَّبَ ديارَهم، وهتَك أستارَهم، وكشَف أسرارَهم، وأجرى الله سبحانه تكذيبَهم والطَّعنَ عليهم على لسان الخاصِّ والعامِّ، حتى اعتَذر من اعتَذر منهم بأنَّ البنَّائين كانوا قد سبقوا الرَّصَّادين إلى وضع الأساس (١).

وليس هذا مِنْ بَهْتِ القوم ووقاحتِهم (٢) ببعيد؛ فإنه لو كان كذلك لرأى الحاضرون تبديلَ البناء وتغييرَه، فإنهم لو دخلهم شكٌّ في تقديمٍ أو تأخيرٍ أو سَبْقٍ بما دون الدَّقيقة في التقدير لما سامَحوا بذلك، مع المقتضي التَّامِّ والطاعة الظاهرة والاحتياط الذي لا مزيدَ فوقه، وليس في تبديل حجرٍ أو تحويله برفعِه ووضعِه كبيرُ أمرٍ على البنَّائين ولا مشقَّة، وقرائنُ الأحوال في


(١) انظر: «اتعاظ الحنفا» للمقريزي (١/ ٢٤٧)، و «الخطط» (١/ ٣٧٧). وفي سياق القصة اختلاف.
(٢) (ص): «وقحتهم». وهي بمعنى المثبت.