للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولحكمةٍ جليلةٍ ضربَ اللهُ دون هذا العلم (١) بالأسداد، وطوى حقائقَه عن أكثر العباد، وذلك أنَّ العلمَ بما سيكونُ ويحدثُ ويُسْتَقْبَلُ علمٌ حُلوٌ عند النفس (٢)، وله موقعٌ عند العقل، فلا أحدَ إلا وهو يتمنَّى أن يعلمَ الغيب، ويطَّلع عليه، ويدركَ ما سوفَ يكونُ في غدٍ، ويجدَ سبيلًا إليه.

ولو ذُلِّلَ السَّبيلُ (٣) إلى هذا الفنِّ لرأيتَ الناسَ يُهْرَعونَ إليه، ولا يُؤْثِرون شيئًا آخر عليه؛ لحلاوة هذا العلم عند الرُّوح، ولُصوقه بالنفس، وغرام كلِّ أحدٍ به، وفتنة كلِّ إنسانٍ فيه.

فبنعمةٍ من الله لم يُفْتَح (٤) هذا الباب، ولم يُكشَف دونه الغطاء، حتى يرتعي (٥) كلُّ أحدٍ روضَه، ويلزمَ حدَّه، ويرغبَ فيما هو أجدى عليه وأنفعُ له إمَّا عاجلاً وإمَّا آجلًا، فطوى اللهُ عن الخلق حقائقَ الغيب، ونَشَرَ لهم نُبَذًا منه وشيئًا يسيرًا يتعلَّلون به؛ ليكونَ هذا العلمُ محروصًا عليه كسائر العلوم، ولا يكون مانعًا من غيره.

قال: ولولا هذه البقيةُ التي فضحَت الكاملين، وأعجزَت القادرين، لكان تعجُّبُ الخلق من غرائب الأحداث وعجائب الصُّروف (٦) وطرائف الأحوال عبثًا وسفهًا، وتوكُّلهم على الله لهوًا ولعبًا.


(١) «المقابسات» (ز، س): «هذه العلل».
(٢) «المقابسات» (ز، س): «خلق للنفس».
(٣) (ت): «ولولا ذلك السبيل».
(٤) في الأصول: «لم يصح». والمثبت من «المقابسات».
(٥) (ق، د): «يرتقي». (ت): «يلتقي». تحريف. والمثبت من «المقابسات».
(٦) «المقابسات» (ز، س): «الضروب».