شهادةُ فضلائهم وأئمَّتهم؟! ولو أنَّ خصومهم الذين لا يشاركونهم في صناعتهم قالوا هذا القولَ لم يكن مقبولًا كقبوله منهم.
والحمدُ لله الذي أشهَد أهلَ العلم والإيمان جهلَ هؤلاء وحيرتَهم وضلالَهم وكذبَهم وافتراءَهم بشهادتهم على نفوسهم وعلى صناعتهم، وأنَّ استفادةَ كلِّ ذي علمٍ بعلمه وكلِّ ذي صناعةٍ بصناعته أعظمُ من استفادتهم بعلمهم، وأنَّ أحدًا منهم لا يمكنه أن يعيشَ إلا في كَنَفِ من لم يُحِط من هذا العلم بشيء، وتحت ظلِّ من هو أجهلُ الناس.
ومن العجب قولهم: إنَّ طالعَ أحد المَلِكَين المتغالبَين قد يكونُ مقتضيًا أن لا يصيب منجِّمُه في تلك الحرب، وطالعُ المنجِّم يقتضي خطأه في ذلك الحكم، وطالعُ خصمه ومنجِّمه بالضِّدِّ!
فليعجَب ذو اللُّبِّ من هذا الهذَيان وتهافُته؛ فإذا كان الطالعُ مقتضيًا أن لا يصيبَ المنجِّمُ في تلك الحرب وقد أعطى الحسابَ والحُكمَ حقَّه عند أرباب الفنِّ، بحيث يشهدُ كلُّ واحدٍ منهم أنَّ الحكمَ ما حكم به، أفليس هذا مِن أبين الدَّلائل على بطلان الوثوق بالطالع، وأنَّ الحكمَ به حكمٌ بغير علم، وحكمٌ بما يجوزُ كذبُه؟!
فما في الوجود أعجبُ من هذا الطالع الصَّادق الكاذب، المصيب المخطاء! وأعجبُ من هذا أنَّ هذا الطالعَ بعينه يكونُ قد حَكَمَ به لظفر عدوِّ هذا عليه منجِّمُه، فوافق القضاءُ والقدرُ ذلك الطالعَ وذلك الحُكم، فيكونُ أحدُ المنجِّمَين قد أصاب لمَلِكه طالعًا وحُكمًا، والآخرُ قد أخطأ لمَلِكه، وقد خرجا بطالعٍ واحد!