للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غايةَ ذُلِّه وطرده ومعاملته بنقيض قصده، وهو إهباطُه من فوق السماوات إلى قرار الأرض، ولا تقتضي الحكمةُ أن يكون فوق السماء مع كِبْرِه (١) ومنافاة حاله لحال الملائكة الأكرمين.

الثاني: أنه قال: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}، وكونُه رجيمًا ملعونًا ينفي أن يكون في السماء بين (٢) المقرَّبين المطهَّرين.

الثالث: أنه قال: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا}، وملكوتُ السماوات لا يَعْلُوه المَذؤومُ المدحورُ أبدًا.

وأما القولُ الثاني؛ فهو القولُ الأولُ بعينه، مع زيادة ما لا يدلُّ عليه السِّياق بحال، من تقديم ما هو مؤخَّرٌ في الواقع، وتأخير ما هو مقدَّمٌ فيه؛ فيُرَدُّ بما رُدَّ به القولُ الذي قبله.

وأما القولُ الثالث، وهو أنه للتأكيد؛ فإن أريدَ التأكيدُ اللفظيُّ المجرَّدُ فهذا لا يقعُ في القرآن، وإن أريدَ به أنه مستلزمٌ للتغليظ والتأكيد مع ما يشتملُ عليه من الفائدة فصحيح.

فالصوابُ أن يقال: أعيدَ الإهباطُ مرةً ثانيةً لأنه علَّق عليه حكمًا غير المعلَّق على الإهباط الأول؛ فإنه علَّق على الأول عداوةَ بعضهم بعضًا، فقال: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}، وهذه جملةٌ حاليَّة، وهي اسميَّةٌ بالضمير وحده عند الأكثرين، والمعنى: "اهبطوا مُتعَادِين"، وعلَّق على الهبوط الثاني حكمين آخرين:


(١) (ت): "التكبر".
(٢) (ت): "مع".