للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: هبوطُهم جميعًا (١).

والثاني: قولُه: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

فكأنه قيل: اهبطوا بهذا الشرط، مأخوذًا عليكم هذا العهد، وهو أنه مهما جاءكم مني هدًى فمن اتبعه منكم فلا خوفٌ عليه ولا حزنٌ يلحقُه.

ففي الإهباط الأول إيذانٌ بالعقوبة ومقابلتهم على الجريمة، وفي الإهباط الثاني روحُ التسلية والاستبشار بحُسْن عاقبة هذا الهبوط لمن تَبِعَ هداي، ومصيره إلى الأمن والسُّرور المُضادِّ للخوف والحزن.

فكَسَرَهُم بالإهباط الأول، وجَبَرَ من اتبعَ هداه بالإهباط الثاني، على عادته سبحانه ولطفه بعباده وأهل طاعته، كما كَسَرَ آدمَ بالإخراج من الجنة، وجَبَرَه بالكلمات التي تلقَّاها منه، فتابَ عليه وهداه.

ومن تدبَّر حكمته سبحانه، ولطفَه وبرَّه بعباده وأحبابه (٢)، في كَسْرِه لهم ثم جَبْرِه بعد الانكسار، كما يَكْسِرُ العبدَ بالذَّنب ويُذِلُّه به ثم يَجْبُره بتوبته عليه ومغفرته له، وكما يَكْسِرُه بأنواع المصائب والمحن ثمَّ يَجْبُره بالعافية والنعمة= انفتحَ له بابٌ عظيمٌ من أبواب معرفته ومحبته (٣)، وعَلِمَ أنه أرحمُ


(١) (ح): "هبوطهما جميعا".
(٢) (ق): "وأحبابه وأهل طاعته".
(٣) انظر هذا المعنى الجليل في "زاد المعاد" (٣/ ٢٢١، ٤٧٧)، و"الوابل الصيب" (٩، ١٠)، و"مدارج السالكين" (١/ ١٨٧، ٢٩٩)، و"إغاثة اللهفان" (٢/ ١٨٩)، و"حادي الأرواح" (٧٦٥)، وسيأتي مبسوطًا (ص: ٨٨، ٨١٩، ٨٢٢).