للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التناسُبَ الذي بين الاسم والمسمَّى كالتناسُب الذي بين العلَّة والمعلول، وإنما هو ترجيحٌ وأولويَّةٌ تقتضي اختصاصَ الاسم بمسمَّاه، وقد يتخلَّف عنه اقتضاؤها كثيرًا.

والمقصود أنَّ هذه المناسبة تنضمُّ إلى ما جعل الله في طبائع الناس وغرائزهم من النُّفرة من الاسم (١) القبيح المكروه، وكراهته، وتطيُّر أكثرهم به، وذلك يوجبُ عدمَ ملابسته ومجاوزته إلى غيره، فهذا أصلُ هذا الباب.

فصل

وأمَّا كراهيةُ السلف أن يُتْبَعَ الميِّتُ بشيءٍ من النار، أو أن يُدْخَلَ القبرَ شيءٌ مَسَّته النار، وقولُ عائشة رضي الله عنها: «لا يكونُ آخرُ زاده أن تَتْبعوه بالنار» (٢)؛ فيجوزُ أن يكون كراهتُهم لذلك مخافةَ الإحداث لما لم يكن في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فكيف وذلك مما يُنْتِجُ (٣) الطِّيَرة به والظُّنونَ الرديَّة بالميت؟!

وقد قال غيرُ واحدٍ من السلف، منهم عبد الملك بن حبيب وغيره: إنما كرهوا ذلك تفاؤلًا بالنار في هذا المقام أن تَتْبعه (٤).

وذكر ابنُ حبيب وغيره أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يصلي على جنازة، فجاءت امرأةٌ ومعها مِجْمَر، فما زال يصيحُ بها حتى توارت بآجام المدينة (٥).


(١) مهملة في (د). (ق): «بين الاسم». وهو تحريف.
(٢) تقدم تخريجه (ص: ١٤٩٦).
(٣) (ق، د، ت): «يبيح». والمثبت من (ص) أشبه.
(٤) انظر: «تفسير غريب الموطأ» لابن حبيب (٢/ ٦٦).
(٥) أخرجه عبد الرزاق (٣/ ٤٢٠)، وابن أبي شيبة (٣/ ٢٧٢)، وابن قانع في «معجم الصحابة» (٣/ ١١٩)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (٢٣٢٩) من حديث حنش بن المعتمر مرسلًا.
ولا تصحُّ للمعتمر صحبة، بل ضعَّفه البخاري وطائفة. انظر: «الإصابة» (٢/ ٢١٦)، و «أسد الغابة» (٢/ ٥٥)، و «التهذيب» (٣/ ٥٩).
ويروى من حديث حنش عن أبيه. أخرجه الطبراني في «الكبير» (٢٠/ ٣٢١)، ولا أراه محفوظًا، وأبوه لا يعرف. انظر: «الإصابة» (٦/ ١٧٦).