للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السبب المكروه والفرار والبعد منه.

ولذلك أرسل إلى ذلك المجذوم الآخر بالبيعة، تشريعًا منه للفرار من أسباب الأذى والمكروه وأن يتعرَّض العبدُ لأسباب البلاء.

ثمَّ وضعُ يده معه في القصعة، فإنما هو بسبب التوكُّل على الله والثقة به الذي هو من أعظم الأسباب التي يُدْفَعُ بها المكروه والمحذور؛ تعليمًا منه للأمَّة دفعَ الأسباب المكروهة بما هو أقوى منها، وإعلامًا بأنَّ الضرَّ والنفعَ بيد الله عز وجل، فإن شاء أن يضرَّ عبدَه ضرَّه، وإن شاء أن ينفعه نفعه، وإن شاء أن يصرفَ عنه الضرَّ صرَفه، بل إن شاء أن ينفعه بما هو من أسباب الضرر، ويضرَّه بما هو من أسباب النفع فعَل.

ليتبيَّن العبادُ أنه وحده الضارُّ النافع، وأنَّ أسبابَ الضرِّ والنفع بيده، وهو الذي جعلها أسبابًا، وإن شاء خلعَ منها سببيَّتها، وإن شاء جعَل ما تقتضيه بخلاف المعهود منها، ليُعْلَم أنه الفاعلُ المختار، وأنه لا يضرُّ شيءٌ ولا ينفعُ إلا بإذنه، وأنَّ التوكُّل عليه والثقةَ به تحيلُ الأسبابَ المكروهةَ إلى خلاف موجَباتها، وتبيِّن مرتبتَها، وأنها مَحَالُّ لمجاري مشيئة الله وحكمته، وأنه سبحانه هو الذي يضرُّ بها وينفع، ليس إليها ولا لها من الأمر شيء، وأنَّ الأمر كلَّه لله، وأنها إنما ينالُ ضررُها من علَّق قلبه بها، ووقفَ عندها، وتطيَّر بما يُتَطيَّر منها، فذلك الذي يصيبه (١) مكروهُ الطِّيَرة.

والطِّيَرة سببٌ للمكروه (٢) على المتطيِّر، فإذا توكَّل على الله ووثقَ به


(١) (ت، ص): «يصله».
(٢) (ت، ص): «سبب المكروه».