للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: فإذا جُمِعَ ما أخبر اللهُ عزَّ وجلَّ به، مِن أنه خلقه من الأرض، وجعله خليفةً في الأرض، وأنَّ إبليسَ وسوسَ له في مكانه الذي أسكنه فيه بعد أن أهبط إبليسَ من السماء، وأنه أخبر ملائكتَه أنه جاعلٌ في الأرض خليفة، وأنَّ دارَ الخُلدِ لا لغو فيها ولا تأثيم، وأنَّ من دخلها لا يخرجُ منها أبدًا، وأنَّ من دخلها يَنْعَمُ لا يبأس (١)، وأنه لا يخافُ ولا يحزن، وأنَّ الله سبحانه حرَّمها على الكافرين، وعدوُّ الله إبليسُ أكفرُ الكافرين، فمحالٌ أن يدخلها أصلًا، لا دخولَ عبورٍ ولا دخولَ قرار، وأنها دارُ نعيم لا دارُ ابتلاء وامتحان، إلى غير ذلك مما ذكرناه من منافاة أوصاف جنة الخُلد للجنة التي أُسْكِنَها آدم.

إذا جُمِعَ ذلك بعضه إلى بعض، ونُظِرَ فيه بعين الإنصاف والتَّجرُّد عن نصرة المقالات، تبيَّن الصَّوابُ من ذلك، والله المستعان.

قال الآخرون (٢): «بل الجنةُ التي أُسْكِنَها آدمُ عند سلف الأمة وأئمتها وأهل السنة والجماعة هي جنةُ الخُلد، ومن قال: إنها كانت جنةً في الأرض بأرض الهند، أو بأرض جُدَّة، أو غير ذلك، فهو من المتفلسفة والملحدين والمعتزلة، أو من إخوانهم المتكلِّمين المبتدعين؛ فإنَّ هذا يقولُه من يقوله من المتفلسفة والمعتزلة، والكتابُ (٣) يردُّ هذا القول، وسلفُ الأمة وأئمتها متفقونَ على بطلان هذا القول.


(١) كذا في الأصول. بحذف حرف العطف.
(٢) هذا جواب ابن تيمية في المسألة. انظر: «مجموع الفتاوى» (٤/ ٣٤٧ - ٣٤٩). وقد صحَّح في «النبوات» (٧٠٥ - ٧١٠) القول بأن جنة آدم لم تكن في السماء، وإنما كانت في مكان عالٍ من الأرض، واحتجَّ له. ولم يتبين لي أيُّ القولين استقر عليه.
(٣) في «الفتاوى»: «والكتاب والسنة».