للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤) وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة: ٣٤ - ٣٦]؛ فقد أخبَر سبحانه أنه أمرهم بالهبوط، وأنَّ بعضهم لبعض عدوٌّ، ثم قال: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}.

وهذا يبيِّن أنهم لم يكونوا في الأرض، وإنما أُهبِطُوا إلى الأرض، فإنهم لو كانوا في الأرض وانتقلوا منها إلى أرضٍ أخرى، كما انتقل قومُ موسى من أرضٍ إلى أرض، كان مستقرُّهم ومتاعُهم إلى حينٍ في الأرض قبل الهبوط، كما هو بعده. وهذا باطل».

قالوا: «وقد قال تعالى في سورة الأعراف لما قال إبليس: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ}؛ فقولُه: {فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} يبيِّن اختصاصَ الجنة التي في السماء بهذا الحكم، بخلاف جنة الأرض، فإنَّ إبليس كان غير ممنوعٍ من التكبُّر فيها.

والضميرُ في قوله: {مِنْهَا} عائدٌ إلى معلوم، وإن كان غير مذكورٍ في اللفظ؛ لأنَّ العلمَ به أغنى عن ذِكْره».

قالوا: «وهذا بخلاف قوله: {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البقرة: ٦١]؛ فإنه لم يذكر هنا (١) ما أُهبِطوا منه، وإنما ذكر ما أُهبِطوا إليه،


(١) في «الفتاوى»: «هناك».