للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ لما كان الغالبُ على الناس أنَّ أحدهم يريد الدنيا لولده من بعده، ويسعى ويتعبُ ويَحْرِمُ نفسَه لولده= سدَّ هذه الذَّريعة عن أنبيائه ورسله، وقطعَ هذا الوهمَ الذي عساه أن يخالط كثيرًا من النفوس التي تقول: فلعله إن لم (١) يطلب الدنيا [لنفسه] فهو يحصِّلها (٢) لولده= فقال - صلى الله عليه وسلم -: «نحن معاشرَ الأنبياء لا نُورَث، ما تركنا فهو صدقة» (٣).

فلم تُورِّث الأنبياءُ دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم.

وأما قولُه تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} فهو ميراثُ العلم والنبوَّة، لا غير، وهذا باتفاق أهل العلم من المفسِّرين وغيرهم (٤)، وهذا لأنَّ داود عليه السلام كان له أولادٌ كثيرٌ سوى سليمان، فلو كان الموروثُ هو المال لم يكن سليمان يختصُّ به (٥).

وأيضًا؛ فإنَّ كلامَ الله يصانُ عن الإخبار بمثل هذا؛ فإنه بمنزلة أن يقال: «مات فلانٌ وورثه ابنُه»، ومن المعلوم أنَّ كلَّ أحدٍ يرثُه ابنُه، وليس في الإخبار بمثل هذا فائدة.

وأيضًا؛ فإنَّ ما قبل الآية وما بعدها يبيِّنُ أنَّ المرادَ بهذه الوِراثة وراثةُ العلم والنبوَّة، لا وراثةُ مال، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا


(١) (ت، د، ق): «فلعله لم».
(٢) (ت): «تحصيله». وما بين المعكوفين يقتضيه السياق، وليس في الأصول.
(٣) أخرجه البخاري (٣٠٩٣، ٦٧٢٦)، ومسلم (١٧٥٧ - ١٧٥٩).
(٤) انظر: «تأويل مختلف الحديث» (١٨٨)، و «شرح مشكل الآثار» (٣/ ١٢)، و «التمهيد» (٨/ ١٧٤)، و «فتح الباري» (١٢/ ١٠)، و «روح المعاني» (١٠/ ١٦٦).
(٥) (ق): «مختصا به».