للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: ١٥ - ١٦]، وإنما سِيقَ هذا لبيان (١) فضل سليمان وما خصَّه الله به من كرامته وميراثه ما كان لأبيه من أعلى المواهب، وهو العلم والنبوَّة، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: ١٦].

وكذلك قولُ زكريا - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَاءِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: ٥ - ٦]، فهذا ميراثُ العلم والنبوَّة والدعوة إلى الله، وإلا فلا يُظَنُّ بنبيٍّ كريمٍ أنه يخافُ عصبتَه أن يرثوه مالَه، فيسألُ الله العظيمَ ولدًا يمنعهم ميراثه (٢)، ويكونُ أحقَّ به منهم. وقد نزَّه الله أنبياءه ورسله عن هذا وأمثاله. فبُعْدًا لمن حرَّف كتاب الله وردَّ على رسوله كلامَه، ونسبَ الأنبياءَ إلى ما هم أبرياءُ منزَّهون عنه، والحمدُ لله على توفيقه وهدايته.

ويُذْكرُ عن أبي هريرة رضي اللهُ عنه أنه مرَّ بالسوق، فوجدهم في تجاراتهم وبِيَاعاتهم (٣)، فقال: أنتم هاهنا فيما أنتم فيه وميراثُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسَّمُ في مسجده! فقاموا سِراعًا إلى المسجد، فلم يجدوا فيه إلا القرآن والذِّكر ومجالس العلم، فقالوا: أين ما قلتَ يا أبا هريرة؟ فقال: هذا ميراثُ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - يقسَّمُ بين ورثته، وليس بمواريثكم ودنياكم (٤). أو كما قال.


(١) (ت): «سبق هذا البيان».
(٢) (ت): «يرثهم ميراثهم».
(٣) البِيَاعات: الأشياء التي يُتبايَع بها في التجارة. «اللسان» (بيع).
(٤) أخرجه الطبراني في «الأوسط» (١٤٢٩) بإسنادٍ فيه من لا يُعْرَف. وحسَّنه المنذري في «الترغيب» (١/ ١٣٤)، والهيثمي في «المجمع» (١/ ١٢٤).