للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: «فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر»، أعظمُ الحظوظ وأجداها ما نفَع العبدَ ودام نفعُه له، وليس هذا إلا حظَّه من العلم والدِّين؛ فهو الحظُّ الدائمُ النافعُ الذي إذا انقطعت الحظوظُ لأربابها فهو موصولٌ له أبد الآبدين؛ وذلك لأنه موصولٌ بالحيِّ الذي لا يموت، فلذلك لا ينقطعُ ولا يفوت، وسائرُ الحظوظ تُعْدَم وتتلاشى بتلاشي متعلَّقاتها، كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣]؛ فإنَّ الغايةَ لما كانت منقطعةً زائلةً تبعتها أعمالهم، فانقطعت عنهم أحوجَ ما يكونُ العاملُ إلى عمله. وهذه هي المصيبةُ التي لا تُجْبَر، عياذًا بالله، واستعانةً به، وافتقارًا إليه، وتوكُّلًا عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وقولُه: «موتُ العالم مصيبةٌ لا تُجْبَر، وثُلْمةٌ لا تُسَدُّ، ونجمٌ طُمِس، وموتُ قبيلةٍ أيسرُ من موت عالم»، لمَّا كان صلاحُ الوجود بالعلماء، ولولاهم كان الناسُ كالبهائم، بل أسوأ حالًا؛ كان موتُ العالم مصيبةً لا يَجْبُرها إلا خلفُ غيره له.

وأيضًا؛ فإنَّ العلماءَ هم الذين يَسُوسونَ العبادَ والبلادَ والممالك، فموتُهم فسادٌ لنظام العالم؛ ولهذا لا يزالُ الله يغرسُ في هذا الدِّين منهم خالفًا عن سالف، يحفظُ بهم دينَه وكتابَه وعبادَه.

وتأمَّل: إذا كان في الوجود رجلٌ قد فاقَ العالَم في الغنى والكرم، وحاجتُهم إلى ما عنده شديدة، وهو محسنٌ إليهم بكلِّ ممكن، ثمَّ مات وانقطعت عنهم تلك المادَّة؛ فموتُ العالم أعظمُ مصيبةً من موت مثل هذا بكثير، ومثلُ هذا يموتُ بموته أممٌ وخلائق، كما قيل: