للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا خلافُ من زعم أنَّ الإيمانَ هو مجردُ معرفة القلب وإقراره.

وفيما تقدَّم كفايةٌ في إبطال هذه المقالة.

ومن قال: إنَّ الإيمان هو مجردُ اعتقاد صدق الرسول فيما جاء به، وإن لم يلتزم متابعتَه، وعاداه وأبغضه وقاتله؛ لَزِمَه أن يكون هؤلاء كلُّهم مؤمنين.

وهذا إلزامٌ لا محيد عنه، ولهذا اضطرب هؤلاء في الجواب عن ذلك لمَّا وَرَدَ (١) عليهم، وأجابوا بما يستحي القائلُ من قوله؛ كقول بعضهم: إنَّ إبليس كان مستهزئًا ولم يكن يقرُّ بوجود الله، ولا بأنَّ الله ربُّه وخالقُه، ولم يكن يعرف ذلك! وكذلك فرعون وقومُه لم يكونوا يعرفون صحَّة نبوَّة موسى، ولا يعتقدون وجودَ الصَّانع (٢).

وهذه فضائحُ نعوذُ بالله من الوقوع في أمثالها، ونصرةُ المقالات وتقليدُ أربابها يحمِلُ على أكثر من هذا، ونعوذُ بالله من الخذلان.

قالوا: وقد بيَّن القرآنُ أنَّ الكفر أقسام:

أحدها: كفرٌ صادرٌ عن جهلٍ وضلالٍ وتقليدِ الأسلاف؛ وهو كفرُ أكثر الأتباع والعَوامِّ.

الثاني: كفرُ جحودٍ وعنادٍ وقصدِ مخالفة الحقِّ؛ ككفر من تقدَّم ذكرُه.

وغالبُ ما يقعُ هذا النوعُ فيمن له رياسةٌ علميَّةٌ في قومه من الكفار، أو رياسةٌ سلطانيَّة، أو من له مآكلُ وأموالٌ في قومه؛ فيخافُ هذا على رياسته


(١) (ح): «أورد».
(٢) انظر: «الفِصَل» (٥/ ٧٥)، و «الصارم المسلول» (٩٦٧)، و «جامع المسائل» (٥/ ٢٤٧)، و «هذه مفاهيمنا» (١٠٤، ١٠٧).