وهذا على ماله ومأكله؛ فيُؤثِرُ الكفرَ على الإيمان عمدًا.
الثالث: كفرُ إعراضٍ محض، لا ينظرُ فيما جاء به الرسول، ولا يحبُّه ولا يبغضُه، ولا يواليه ولا يعاديه، بل هو معرضٌ عن متابعَته ومعاداته.
وهذان القسمان أكثرُ المتكلِّمين ينكرونهما، ولا يُثْبِتُون من الكفر إلا الأول، ويجعلون الثاني والثالث كفرًا لدلالته على الأول لا لأنه في ذاته كفر؛ فليس عندهم الكفرُ إلا مجرَّد الجهل.
ومن تأمَّل القرآن والسُّنَّة، وسِيَر الأنبياء في أممهم ودعوتهم لهم وما جرى لهم معهم جزم بخطأ أهل الكلام فيما قالوه، وعلمَ أنَّ عامَّة كفر الأمم عن تيقُّنٍ وعلمٍ ومعرفةٍ بصدق أنبيائهم وصحَّة دعواهم وما جاءوا به.
وهذا القرآنُ مملوءٌ من الإخبار عن المشركين عُبَّاد الأصنام أنهم كانوا يقرُّون بالله وأنه هو وحده ربُّهم وخالقُهم، وأنَّ الأرضَ وما فيها له وحده، وأنه ربُّ السموات السبع وربُّ العرش العظيم، وأنه بيده ملكوتُ كلِّ شيء وهو يجيرُ ولا يجارُ عليه، وأنه هو الذي سخَّر الشمسَ والقمر، وأنزلَ المطر، وأخرجَ النبات.
والقرآنُ منادٍ عليهم بذلك، محتجٌّ بما أقرُّوا به من ذلك على صحَّة ما دعتهم إليه رسله، فكيف يقال: إنَّ القومَ لم يكونوا مُقِرِّين قطُّ بأنَّ لهم ربًّا وخالقًا؟! هذا بهتانٌ عظيم.
فالكفرُ أمرٌ وراء مجرَّد الجهل، بل الكفرُ الأغلظُ هو ما أنكره هؤلاء وزعموا أنه ليس بكفر.
قالوا: والقلبُ عليه واجبان لا يصير مؤمنًا إلا بهما جميعًا: