للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشروطًا بزَكاء (١) المحلِّ وقبوله للتزكية، فإذا كان المحلُّ غير زكيٍّ ولا قابلٍ للتزكية كان كالأرض الصَّلْدَة التي يخالطُها الماء، فإنه يمتنعُ النباتُ منها؛ لعدم أهليتها وقبولها.

فإذا كان القلبُ قاسيًا حَجَريًّا، لا يقبلُ تزكيةً ولا تُؤثِّرُ فيه النصائح، لم ينتفع بكلِّ علمٍ يعلمُه، كما لا تنبتُ الأرضُ الصلبة ولو أصابها كلُّ مطر، وبُذِرَ فيها كلُّ بَذْر.

كما قال تعالى في هذا الصنف من الناس: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: ٩٦ - ٩٧]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: ١١١]، وقال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: ١٠١]. وهذا في القرآن كثير.

فإذا كان القلبُ قاسيًا غليظًا جافيًا لا يعملُ فيه العلمُ شيئًا، وكذلك إذا كان مريضًا مَهِينًا مائيًّا لا صلابةَ فيه ولا قوةَ ولا عزيمة لم يؤثِّر فيه العلم.

السببُ الثالث: قيامُ مانع؛ وهو إمَّا حسدٌ أو كِبْر، وذلك مانعُ إبليس من الانقياد للأمر، وهو داءُ الأولين والآخرين إلا من عصم الله، وبه تخلَّف الإيمانُ عن اليهود الذين شاهدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرفوا صحةَ نبوَّته ومن جرى مجراهم، وهو الذي منع عبد الله بن أبيٍّ من الإيمان، وبه تخلَّفَ الإيمانُ عن أبي جهلٍ وسائر المشركين؛ فإنهم لم يكونوا يرتابون في صدقه


(١) (ق): «بزكاة».