للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنَّ الحقَّ معه، ولكنْ حملهم الكِبْرُ والحسدُ على الكفر، وبه تخلَّفَ الإيمانُ عن أميَّة (١) وأضرابه ممن كان عنده علمٌ بنبوَّة محمد - صلى الله عليه وسلم -.

السببُ الرابع: مانعُ الرياسة والمُلْك، وإن لم يَقُم بصاحبه حسدٌ ولا تكبُّر عن الانقياد للحقِّ، لكن لا يمكنُ أن يجتمع له الانقيادُ ومُلْكُه ورياستُه، فيَضِنُّ بمُلْكِه ورياسته؛ كحال هِرَقل وأضرابه من ملوك الكفار الذين علموا بنبوَّته وصِدْقه، وأقرُّوا بها باطنًا، وأحبُّوا الدخول في دينه، لكن خافوا على مُلْكهم.

وهذا داءُ أرباب المُلْك والولاية والرياسة، وقلَّ من نجا منه إلا من عصم الله، وهو داءُ فرعون وقومه، ولهذا قالوا: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون: ٤٧]؛ أَنِفُوا أن يؤمنوا ويتبعوا موسى وهارون وينقادوا لهما وبنو إسرائيل عبيدٌ لهم.

ولهذا قيل: إنَّ فرعون لما أراد متابعةَ موسى وتصديقَه شاورَ هامان وزيرَه، فقال: بينا أنت إلهٌ تُعْبَدُ تصيرُ عبدًا تعبُد غيرَك! (٢)؛ فأبى العبوديَّةَ واختار الرياسةَ والإلهيَّة المُحال (٣).

السببُ الخامس: مانعُ الشهوة والمال؛ وهو الذي منع كثيرًا من أهل الكتاب من الإيمان، خوفًا من بطلان مآكلهم وأموالهم التي تصيرُ إليهم من


(١) أمية بن أبي الصلت.
(٢) انظر: «تفسير يحيى بن سلام» (١/ ٢٦٣)، و «المتفق والمفترق» (١١٢٦)، و «تاريخ دمشق» (٦١/ ٦٤)، و «الدر المنثور» (٨/ ٤١٠)، و «سراج الملوك» (٢٨٨).
(٣) (ت): «وإلهية المحال». ولستُ منها على ثقة.