للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكلِّ شيءٍ منها كمالًا يختصُّ به هو غايةُ شرفه، فإذا عَدِمَ كمالَه انتقل إلى الرتبة التي دونه واستُعمِلَ فيها، فكان استعمالُه فيها كمالَ أمثاله، فإذا عَدِمَ تلك أيضًا نُقِلَ إلى ما دونها، ولا يُعَطَّلُ (١)، وهكذا أبدًا، حتى إذا عَدِمَ كلَّ فضيلةٍ صار كالشَّوك وكالحطب الذي لا يصلحُ إلا للوقود.

فالفَرسُ إذا كانت فيه فروسيَّتُه التامَّةُ أُعِدَّ لمراكب الملوك، وأُكرِمَ إكرامَ مثله، فإذا نزل عنها قليلًا أُعِدَّ لمن دون المَلِك، فإن ازداد تقصيرُه فيها أُعِدَّ لآحاد الأجناد، فإن تقاصر عنها جملةً استُعمِلَ استعمالَ الحمار، إمَّا حولَ المَدار، وإمَّا لنقل الزِّبْل ونحوه، فإن عَدِمَ ذلك استُعمِلَ استعمالَ الأغنام للذبح والإعدام.

كما يقال في المثل (٢): إن فرسَيْن التقيا؛ أحدُهما تحت مَلِكٍ والآخرُ تحت الرَّوايا (٣)، فقال فرسُ الملك: أمَا أنت صاحبي وكنتُ أنا وأنت في مكانٍ واحد، فما الذي نزَل بك إلى هذه المرتبة؟! فقال: ما ذاك إلا أنك هَمْلَجْتَ قليلًا وتَكسَّعتُ (٤) أنا!

وهكذا السيفُ إذا نبا عمَّا هُيِّاء له ولم يصلُح له، ضُرِبَ منه فأسٌ أو


(١) (ق، د): «ولا تعطل».
(٢) انظر هذا المعنى في: «البيان والتبين» (٢/ ١٠٣)، و «عيون الأخبار» (١/ ٢٣٥)، و «المدهش» (٣٠٠).
(٣) جمعُ راوية، وهي المزادةُ فيها الماء. «اللسان» (روي).
(٤) تكسَّع في ضلاله: ذهبَ، كتسكَّع. وربما أراد: شابهتُ الحمير، سُمِّيت الحميرُ كُسعةً لأنها تُكْسَعُ في أدبارها، أي: تُضرب. «اللسان» (كسع). وفي (ت): «وأينعت». (د): «تلسعت»، وفوقها بخطٍّ دقيق: كذا.