للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منشارٌ أو نحوه (١)، وهكذا الدُّورُ العِظامُ الحِسانُ إذا خَرِبَت وتهدَّمت اتُّخِذَت حظائرَ للغنم أو الإبل وغيرها.

وهكذا الآدميُّ إذا كان صالحًا لاصطفاء الله له برسالته ونبوَّته اتخذه رسولًا ونبيًّا، كما قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤]، فإذا كان جوهرُه قاصرًا عن هذه الدرجة صالحًا لخلافة النبوَّة وميراثها رشَّحه لذلك وبلَّغه إياه، فإذا كان قاصرًا عن ذلك قابلًا لدرجة الوَلاية رُشِّحَ لها، وإن كان ممَّن يصلحُ للعمل والعبادة دونَ المعرفة والعلم جُعِلَ من أهله، حتى ينتهي إلى درجة عموم المؤمنين، فإن نقصَ عن هذه الدرجة ولم تكن نفسُه قابلةً لشيءٍ من الخير أصلًا استُعْمِلَ حطبًا ووقودًا للنار.

وفي أثرٍ إسرائيلي: أنَّ موسى سأل ربَّه عن شأن من يعذِّبهم من خلقه؛ فقال: يا موسى، ازرع زرعًا، فزَرَعه، فأوحى الله إليه أن احصُده، ثمَّ أوحى إليه أن انسِفْه واذْرُه (٢)، ففعل، وخَلَصَ الحبُّ وحده والتِّبنُ والعيدانُ والعَصْفُ وحده، فأوحى الله إليه: إني لا أجعلُ في النار من العباد إلا من لا خير فيه، بمنزلة العيدان والشَّوك التي لا تصلحُ إلا للنار (٣).

وهكذا الإنسانُ يترقَّى في درجات الكمال درجةً بعد درجة، حتى يَبْلُغَ


(١) انظر: «الذريعة إلى مكارم الشريعة» (٩١).
(٢) النَّسْفُ والذَّرْو: تنقيةُ الحَبِّ.
(٣) أخرجه ابن المبارك (٣٥١)، وأحمد (٨٨) كلاهما في «الزهد»، وأبو نعيم في «الحلية» (٥/ ٩١) عن عمار بن ياسر بإسنادٍ فيه ضعف.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (٦٤٢)، وأبو نعيم في «الحلية» (٤/ ٢٨٦) عن سعيد بن جبير. وقال الهيثمي في «المجمع» (٧/ ٢٠١): «رجاله رجال الصحيح».