للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو غِناها الحقيقي؛ فغِناها بعلمها هو الغِنى، وغِناها بمالها هو الفقر.

الثامن والعشرون: أنَّ من قُدِّم وأُكرِم لماله إذا زال مالُه ذهب (١) تقديمُه وإكرامُه، ومن قُدِّم وأُكرِم لعلمه فإنه لا يزدادُ إلا تقديمًا وإكرامًا.

التاسع والعشرون: أنَّ تقديمَ الرجل لماله هو عينُ ذمِّه؛ فإنه نداءٌ عليه بنقصه، وأنه لولا ماله لكان مستحقًّا للتأخير والإهانة (٢)، وأما تقديمُه وإكرامُه لعلمه فإنه عينُ كماله؛ إذ هو تقديمٌ له بنفسه وبصفته القائمة به، لا بأمرٍ خارجٍ عن ذاته.

الوجه الثلاثون: أنَّ طالبَ الكمال بغِنى المال كالجامع بين الضدَّين؛ فهو طالبٌ ما لا سبيل له إليه.

وبيانُ ذلك: أنَّ القدرةَ صفةُ كمال، وصفةُ الكمال محبوبةٌ بالذَّات، والاستغناءُ عن الغير ــ أيضًا ــ صفةُ كمالٍ محبوبةٌ بالذَّات، فإذا مال الرجلُ بطبعه إلى السَّخاوة والجُود وفِعْل المَكْرُمات، فهذا كمالٌ مطلوبٌ للعقلاء، محبوبٌ للنفوس، وإذا التفتَ إلى أنَّ ذلك يقتضي خروجَ المال من يده، وذلك يُوجِبُ نقصَه واحتياجَه إلى غيره وزوالَ قدرته= نَفَرَت نفسُه عن السَّخاء والكرم والجُود واصطناع المعروف، وظنَّ أنَّ كماله في إمساك المال.

وهذه البليَّةُ أمرٌ ثابتٌ لعامَّة الخَلق، لا ينفكُّون عنها (٣).


(١) (ح، ن): «زال».
(٢) (ح، ن): «للتأخير والإبعاد».
(٣) (ق، د): «لايتفكرون».