للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه اللذَّةُ منغَّصةٌ من وجوهٍ عديدة:

منها: أنَّ تصوُّرَ زوالها وانقضائها وفنائها يوجبُ تنغُّصَها (١).

ومنها: أنها ممزوجةٌ بالآفات، معجونةٌ بالآلام، مختلطةٌ بالمخاوف، وفي الغالب لا يفي ألمُها بطِيبها، كما قيل:

قايَسْتُ بين جمالها وفَعالها ... فإذا المَلاحةُ بالقَباحَةِ لا تَفِي (٢)

ومنها: أنَّ الأراذلَ من الناس وسَقَطَهم يشاركون فيها كبراءَهم وعقلاءَهم، بل يزيدون عليهم فيها أعظمَ زيادةٍ وأفحشَها، فنسبتُهم فيها إلى الأفاضل كنسبة الحيوانات البهيميَّة إليهم، فمشاركةُ الأراذل وأهل الخِسَّة والدناءة فيها وزيادتُهم على العقلاء فيها مما يوجبُ النُّفرةَ والإعراضَ عنها، وكثيرٌ من الناس حصل له الزهدُ في المحبوب والمعشوق منها بهذه الطريق.

وهذا كثيرٌ في أشعار الناس ونَثْرهم، كما قيل:

سأتركُ حُبَّها من غير بُغْضٍ ... ولكنْ كثرةُ الشُّركاءِ فيهِ

إذا وقعَ الذُّبابُ على طعامٍ ... رفعتُ يدي ونفسي تشتهيهِ

وتجتنبُ الأسودُ ورودَ ماءٍ ... إذا كان الكلابُ يَلَغْنَ فيهِ (٣)


(١) (ح، ن): «تنغيصها». (د، ق): «موجب تنغصها».
(٢) البيت لأبي بكر بن السرَّاج، مِنْ ثلاثة أبياتٍ حِسان، نُسِبَت خطأً لابن المعتز، وهي في ديوانه (١/ ٣٨٦)، وقبض جائزتها عبيدُ الله بن طاهر! الخبر في «الديارات» للشابشتي (١١٨)، و «إنباه الرواة» (٣/ ١٤٧)، و «إرشاد الأريب» (٢٥٣٥)، وغيرها.
(٣) الأبيات في «المستطرف» (١/ ١٦٣، ٢/ ٤٣٤) دون نسبة.