للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إياه من علمه وفَضَّلَه به على غيره.

وأيضًا؛ فصنيعةُ العلم تابعةٌ لنفس العالِم وذاته، وصنيعةُ المال تابعةٌ لماله المنفصل عنه.

وأيضًا؛ فصنيعةُ المال صنيعةُ معاوَضَة، وصنيعةُ العلم والدِّين صنيعةُ حبٍّ وتقرُّبٍ وديانة.

وأيضًا؛ فصنيعةُ المال تكونُ مع البَرِّ والفاجر، والمؤمن والكافر، وأمَّا صنيعةُ العلم والدِّين فلا تكونُ إلا مع أهل ذلك.

وقد يرادُ من هذا أيضًا معنًى آخر؛ وهو أنَّ من اصطنعتَ عنده صنيعةً بمالك، إذا زال ذلك المالُ وفارقه عَدِمت صنيعتك عنده، وأما من اصطنعتَ إليه صنيعةَ علمٍ وهدى فإنَّ تلك الصنيعةَ لا تفارقُه أبدًا، بل تُرى في كلِّ وقتٍ كأنك أسْدَيْتَها إليه حينئذ.

* قولُه: «مات خُزَّانُ الأموال وهم أحياء»؛ قد تقدَّم بيانُه.

* وكذلك قولُه: «والعلماءُ باقون ما بقي الدهر».

* وقولُه: «أعيانُهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة»؛ المرادُ بـ «أمثالهم» صُوَرهم العلميَّة، ووجودُهم المثاليُّ، أي: وإن فُقِدت ذواتُهم فصُوَرهم وأمثالُهم في القلوب لا تفارقُها، وهذا هو الوجودُ الذِّهنيُّ العلمي؛ لأنَّ محبة الناس لهم، واقتداءهم بهم، وانتفاعهم بعلومهم، يوجبُ أن لا يزالوا نُصْبَ عيونهم، وقبلة قلوبهم، فهم موجودون معهم، وحاضرون عندهم، وإن غابت عنهم أعيانُهم، كما قيل: