للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومِنْ عجبٍ أنِّي أحِنُّ إليهمُ ... وأسألُ عنهم من لقيتُ وهم معي

وتَطْلُبهم عيني وهم في سَوادِها ... ويشتاقُهم قلبي وهم بين أضلُعِي (١)

وقال آخر:

ومِن عجبٍ أن يَشْكُوَ البعدَ عاشقٌ ... وهل غاب عن قلب المُحِبِّ حبيبُ

خيالُك في عيني وذِكْرُك في فمي ... ومثواكَ في قلبي فأين تغيبُ (٢)

قولُه: «آه؛ إنَّ هاهنا علمًا ــ وأشار إلى صدره ــ»؛ يدلُّ على جواز إخبار الرجل بما عنده من العلم والخير ليُقْتَبَس منه، وليُنتَفَع به، ومنه قول يوسف الصِّدِّيق عليه السلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: ٥٥].

فمن أخبَر عن نفسه بمثل ذلك ليُكثِّر به ما يحبُّه الله ورسولُه من الخير فهو محمود، وهذا غير من أخبَر بذلك ليتكثَّر به عند الناس ويتعظَّم، وهذا يجازيه اللهُ بمَقْتِ الناس له، وصِغَرِه في أعينُهم، والأولُ يُكَبِّرُه في قلوبهم وعيونهم، وإنما الأعمالُ بالنيات.

وكذلك إذا أثنى الرجلُ على نفسه ليَخْلُصَ بذلك من مظلمةٍ وشرٍّ، أو


(١) البيتان للقاضي الفاضل (ت: ٥٩٦) في «ديوانه» (٤٩٢). ونُسِبا لمِهْيار ــ وليسا في ديوانه ــ في «الحلة السيراء» (١/ ٢٠٤)، و «نفح الطيب» (٥/ ٤٧٦)، وفي الأول حكاية خلافٍ في ذلك. وهما في «الحماسة المغربية» (١٠٦٨) ومصادر أخرى كثيرة دون نسبة.
(٢) الثاني لابن غلندو الإشبيلي (ت: ٥٨٧) في «إرشاد الأريب» (١١٩٤). ودون نسبة في «البديع» لابن منقذ (١١٤).