للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثالُ هذا: الدرهمُ الزائف؛ فإنه يغترُّ به الجاهلُ بالنقد، نظرًا إلى ما عليه من لباس الفضَّة، والناقدُ البصيرُ يجاوزُ نظرَه إلى ما وراء ذلك فيطَّلعُ على زيفه.

فاللفظُ الحسنُ الفصيحُ هو للشبهة بمنزلة اللباس من الفضَّة على الدرهم الزائف، والمعنى كالنحاس الذي تحته (١).

وكم قد قتلَ هذا الاغترارُ من خلقٍ لا يحصيهم إلا الله!

وإذا تأمَّل العاقلُ الفَطِنُ هذا القَدْرَ وتدبَّره رأى أكثر الناس يقبَلُ المذهبَ والمقالةَ بلفظٍ، ويردُّها بعينها بلفظٍ آخر!، وقد رأيتُ أنا من هذا في كتب الناس ما شاء الله.

وكم قد رُدَّ من الحقِّ بتشنيعه بلباسٍ من اللفظ قبيح!

وفي مثل هذا قال أئمَّةُ السُّنَّة ــ منهم الإمامُ أحمد وغيره ــ: «لا نُزِيلُ عن الله صفةً من صفاته لأجل شَناعةٍ شُنِّعَت» (٢). فهؤلاء الجهميةُ يسمُّون إثباتَ صفات الكمال لله ــ من حياته، وعلمه، وكلامه، وسمعه، وبصره، وسائر ما وصف به نفسَه ــ تشبيهًا وتجسيمًا، ومن أثبتَ ذلك مشبِّهًا؛ فلا يَنْفِرُ من هذا المعنى الحقِّ لأجل هذه التسمية الباطلة إلا العقولُ الصغيرةُ القاصرةُ


(١) قال ابن تيمية في تائية ابن الفارض المشهورة: «نظَم فيها الاتحاد نظمًا رائق اللفظ، فهو أخبثُ من لحم خنزيرٍ في صينيةٍ من ذهب»!. «مجموع الفتاوى» (٤/ ٧٣). وانظر: «الصواعق المرسلة» (٤٣٦)، و «البيان والتبيُّن» (١/ ٢٥٤).
(٢) انظر: «الإبانة» لابن بطة (٣/ ٣٢٦ ــ تتمة الرد على الجهمية)، و «إبطال التأويلات» (١/ ٤٤)، و «ذم التأويل» لابن قدامة (٢٢)، و «بيان تلبيس الجهمية» (١/ ٤٣١، ٢/ ١٦٤)، و «درء التعارض» (٢/ ٣١).