للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خفافيشُ البصائر.

وكلُّ أهل نِحْلَةٍ ومقالةٍ يَكْسُونَ نِحْلَتهم ومقالتهم أحسنَ ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومقالةَ مخالفيهم أقبحَ ما يقدرون عليه من الألفاظ (١)، ومن رزقه اللهُ بصيرةً فهو يكشفُ بها حقيقةَ ما تحت تلك الألفاظ من الحقِّ والباطل، ولا يغترُّ باللفظ، كما قيل في هذا المعنى:

تقولُ هذا جَنى النَّحْلِ (٢) تمدحُه ... وإن تشأْ قلتَ ذا قيءُ الزَّنابيرِ

مدحًا وذمًّا وما جَاوزتَ وَصْفَهما ... والحقُّ قد يعتريه سوءُ تعبيرِ (٣)

فإذا أردتَ الاطلاعَ على كُنْه المعنى: هل هو حقٌّ أو باطل؟ فجرِّدْه من لباس العبارة، وجرِّدْ قلبك من النُّفرة والمَيْل، ثمَّ أَعْطِ النظرَ حقَّه، ناظرًا بعين الإنصاف، ولا تكن ممَّن ينظرُ في مقالة أصحابه ومن يحسِنُ ظنَّه به نظرًا تامًّا بكلِّ قلبه، ثمَّ ينظرُ في مقالة خصومه ومن يسيءُ ظنَّه به كنظر الشَّزْر والملاحظة.

فالناظرُ بعين العداوة يرى المحاسنَ مساواء، والناظرُ بعين المحبة عكسُه، وما سَلِمَ من هذا إلا من أراد الله كرامتَه وارتضاه لقبول الحقِّ، وقد قيل (٤):


(١) انظر: «بيان تلبيس الجهمية» (٢/ ٣٤٤).
(٢) كذا في الأصول. وروايةُ الديوان وكثيرٍ من المصادر: «مُجاج النحل».
(٣) البيتان لابن الرومي في «ديوانه» (١١٤٤)، ولهما ثالث.
(٤) البيت لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، في «الأغاني» (١٢/ ٢١٢)، و «الكامل» (٢٧٧)، و «عيون الأخبار» (٣/ ٧٦)، و «زهر الآداب» (١/ ٨٥)، وغيرها. وفي نسبته خلاف. انظر: «الواضح المبين» (٤٤).